للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيُّ في القَديمِ والحَنابلةُ -وهو اختِيارُ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ- إلى أنها تَمكثُ حتى تَعلمَ بَراءةَ رَحمِها ثم تَعتدُّ بالشُّهورِ وذلكَ سَنةٌ تَمكثُ تِسعةَ أشهُرٍ غالِبَ مُدةِ الحَملِ لتَعرفَ فَراغَ الرَّحمِ؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّ الحَملَ لا يَمكثُ في البَطنِ أكثَرَ مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ العدَّةَ تُرادُ لبَراءةِ الرَّحمِ، فإذا عُلِمَ بَراءتُه فلا معنَى للتربُّصِ، ولأنَّا لو قُلنا: «تَقعدُ إلى الإياسِ» لَأضَرَّ ذلكَ بها في مَنعِها مِنْ النكاحِ، وأضَرَّ بالزَّوجِ في وُجوبِ النَّفقةِ والسُّكنَى عليه، فوجَبَ إزالَتُه.

ثمَّ تَعتدُّ بعدَه بثَلاثةِ أشهُرٍ عندَهم جَميعًا -إلا قَولًا لبَعضِ الشافِعيةِ أفتَى به البارَزليُّ- أنَّ الثلاثةَ أشهُرٍ تكونُ مِنْ التِّسعةِ لدَفعِ الضَّررِ عن النِّساءِ؛ لا سيِّما الشَّبابِ، قالَ الأزرَقُ: ويَجوزُ تَقليدُه؛ لعِظَمِ المَشقةِ في الصبر إلى اليَأسِ، ولغَلبةِ الظنِّ ببَراءةِ الرحمِ (١).

وذلكَ لِما رَواهُ الإمامُ مالكٌ في «المُوطَّأ» عن يَحيَى بنِ سَعيدٍ وعن يَزيدَ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ قُسيطٍ اللَّيثيِّ عن سَعيدِ بن المُسيبِ أنه قالَ: قالَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ: «أيُّما امرَأةٍ طُلِّقتْ فحاضَتْ حَيضةً أو حَيضتَينِ ثمَّ رفَعَتْها حيضَتُها فإنها تَنتظرُ تِسعةَ أشهُرٍ، فإنْ بانَ بها حَملٌ فذَلكَ، وإلا اعتَدَّتْ بعدَ التِّسعةِ الأشهُرِ ثَلاثةَ أشهُرٍ ثمَّ حلَّتْ» (٢).


(١) «الديباج» (٥/ ٥٥٦).
(٢) رواه مالك في «الموطأ» (٢/ ٥٨٢)، رقم (١٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>