للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُستمرًّا مُستصحبًا لم يَكنْ له حُكمٌ يُفرَدُ به في الشَّريعةِ، وإنما الأمرُ المُتميزُ هو الحَيضُ؛ فإنَّ المَرأةَ إذا حاضَتْ تَغيَّرتْ أحكامُها مِنْ بُلوغِها وتَحريمِ العِباداتِ عليها مِنْ الصلاةِ والصَّومِ والطَّوافِ واللُّبثِ في المَسجدِ وغيرِ ذلكَ مِنْ الأحكامِ، ثم إذا انقطَعَ الدمُ واغتسَلَتْ فلَم تَتغيرْ أحكامُها بتَجدُّدِ الطُّهرِ، لكنْ لزَوالِ المُغيِّرِ الذي هو الحَيضُ، فإنها تَعودُ بعدَ الطُّهرِ إلى ما كانَتْ عليهِ قبلَ الحَيضِ مِنْ غيرِ أنْ يُجدِّدَ لها الطهرُ حُكمًا، والقُرءُ أمرٌ يُغيِّرُ أحكامَ المَرأةِ، وهذا التَّغييرُ إنَّما يَحصلُ بالحَيضِ دُونَ الطُّهرِ، فهذا الوَجهُ دالٌّ على فَسادِ قَولِ مَنْ يَحتسبُ بالطُّهرِ الذي قبلَ الحَيضةِ قُرءًا فيما إذا طلقَتْ قبلَ أنْ تَحيضَ ثم حاضَتْ، فإنَّ مَنْ اعتَدَّ بهذا الطُّهرِ قُرءًا جعَلَ شَيئًا ليسَ له حُكمٌ في الشَّريعةِ قُرءًا مِنْ الأقراءِ، وهذا فاسِدٌ (١).

إلَّا أنَّ الحَنفيةَ قالُوا: إذا كانَتْ أيامُها في الحَيضِ عَشرةً -وهيَ أكثَرُ مُدةِ الحَيضِ عندَهم- لا تَصحُّ الرَّجعةُ، وتَحلُّ للأزواجِ بمُجردِ انقِطاعِ الدمِ مِنْ الحَيضةِ الثالِثةِ وإنْ لم تَغتسلْ؛ لأنَّ الحَيضَ لا مَزيدَ له عن العَشرةِ، فبمُجرَّدِ الانقِطاعِ خرَجَتْ عن الحَيضِ، فانقَضَتِ العدَّةُ وانقطَعَتِ الرَّجعةُ.

وإنِ انقَطعَ لأقلَّ مِنْ عَشرةِ أيامٍ لم تَنقطعِ الرَّجعةُ حتى تَغتسلَ؛ لأنَّ فيما دُونَ العَشرةِ يَحتملُ عَوْدَ الدَّمِ، فيَكونُ حَيضًا لبَقاءِ المُدةِ، فلا بدَّ مِنْ الغُسلِ.


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٦١١، ٦١٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٩٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٠٩)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>