فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ أبو حَنيفةَ ومُحمدٌ والمالِكيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه يُشترطُ عَدمُ المَسيسِ في الشَّهرَينِ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بصَومِ شهرَينِ مُتتابعَينِ لا مَسيسَ فيهما بقَولِه: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٤]، فأمَرَ بهمَا خالِيَينِ عن وَطءٍ، ولم يأتِ بهمَا على ما أُمِرَ، فلم يُجزِئُه كما لو وَطئَ نهارًا، ولأنه تَحريمٌ للوَطءِ ولا يَختصُّ النَّهارَ، فاستَوى فيهِ اللَّيلُ والنَّهارُ كالاعتِكافِ (١).
وذهَبَ الشافِعيةُ وأبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ وأبو ثَورٍ وابنُ المُنذِرِ إلى أنه لو جامَعَ امرَأتَه التي ظاهَرَ مِنها باللَّيلِ عامِدًا أو ناسِيًا فإنَّ التَّتابعَ لا يَنقطعُ بهذا ويَبنِي؛ لأنه وَطءٌ لا يُبطلُ الصَّومَ، فلا يُوجبُ الاستِئنافَ كوَطءِ غيرِها، ولأنَّ التَّتابعَ في الصِّيامِ عِبارةٌ عنِ اتِّباعِ صَومِ يَومٍ للذي قبلَه مِنْ غَيرِ فارِقٍ، وهذا مُتحقِّقٌ وإنْ وَطئَ لَيلًا، وارتكابُ النَّهيِ في الوَطءِ قبلَ إتمامِه إذا لم يُخِلَّ بالتَّتابعِ المُشتَرَطِ لا يَمنعُ صحَّتَه وإجزاءَه، كما لو وَطئَ قبلَ الشَّهرَينِ أو وَطئَ ليلَةَ أوَّلِ الشَّهرينِ وأصبَحَ
(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ١١١)، و «المبسوط» (٣/ ٨٤)» (٧/ ١٤)، و «الاختيار» (٣/ ٢٠٢)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٥١٢)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٩٦، ٤٩٧)، و «التاج والإكليل» (٣/ ١٥٢)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ١١٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٣٨٢، ٣٨٣)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٢٩١)، و «المغني» (٨/ ٢٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٥٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٤٧).