للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرِ الجَنَّةِ والنَّارِ يَكونُ بمَنزِلةِ التَّصريحِ بمَسألةِ الجنَّةِ، والتَّعوُّذِ من النَّارِ، وذلكَ غيرُ مُفسِدٍ، كذا هذا، وإذا كانَ ذلك مِنْ وَجَعٍ أو مُصيبةٍ كانَ من كَلامِ النَّاسِ، وكَلامُ النَّاسِ مُفسِدٌ.

ورُويَ عن أبي يُوسفَ أنَّه قالَ: إذا قالَ: آهٍ، لا تفسُدُ صَلاتُه، وإن كانَ مِنْ وَجَعٍ أو مُصيبَةٍ، وإذا قالَ: أوَّه، تفسُدُ صَلاتُه؛ لأنَّ الأوَّلَ ليس مِنْ قَبِيلِ الكَلامِ، بل هو شَبيهٌ بالتَّنحنُحِ والتَّنفُّسِ، والثَّاني مِنْ قَبيلِ الكَلامِ؛ والجَوابُ ما ذكَرنا (١).

وقالَ مالِكٌ : الأنِينُ لا يَقطعُ الصَّلاةَ لِلمَريضِ، وأكرَهُه لِلصَّحيحِ، ورَوى ابنُ عَبد الحَكَمِ عن مالِكٍ: النَّشيجُ والأنِينُ والنَّفخُ لا يَقطعُ الصَّلاةَ.

وقالَ الإمامُ الشافِعيُّ : إذا بانَ له حَرفانِ من هذه الأصواتِ كانَ كَلامًا مُبطِلًا.

قالَ شَيخُ الإسلامِ : وهوَ أشَدُّ الأقوالِ في هذه المَسألةِ وأبَعدُها عن الحُجَّةِ، فإنَّ الإبطالَ إن أثبَتُوهُ بدُخولِها في مُسَمَّى الكَلامِ في لَفظِ رَسولِ اللهِ ، فمِنَ المَعلومِ الضَّروريِّ أنَّ هذه لا تَدخلُ في مُسمَّى الكَلامِ، وإن كانَ بالقِياسِ لم يَصحَّ ذلك؛ فإنَّ في الكَلامِ يَقصِدُ المُتكَلِّمُ مَعانيَ يُعبِّرُ عنها بلَفظِه، وذلكَ يَشغَلُ المُصلِّي، كما قالَ النَّبيُّ : «إِنَّ في الصَّلاةِ لَشُغلًا»، وأمَّا هذه الأصواتُ فهي طَبيعيَّةٌ كالتَّنفُّسِ، ومَعلومٌ أنَّه لو زادَ في التَّنَفُّسِ على قَدرِ الحاجَةِ لم تبطُل صَلاتُه،


(١) «بدائع الصنائعِ في ترتيبِ الشرائعِ» (١/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>