للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا إن كانَ الجَوابُ بما لَيسَ بثَناءٍ فإنَّها تفسُدُ اتِّفاقًا، كأَن قِيلَ: ما مالُكَ؟ فقالَ: الإبلُ والبَقرُ والعَبيدُ، مَثَلًا؛ لأنَّه ليس قُرآنًا ولَا ثَناءً، أمَّا لو أخبَرَه بخَبرِ سُوءٍ فاستَرجَعَ أو سارَّ فحَمِدَ، أو تَعَجَّبَ بالتَّسبيحِ أو التَّهليلِ، وهو في الصَّلاةِ؛ فإنَّها تفسُدُ عندَ أبي حَنيفَةَ ومُحمدٍ، خِلافًا لِأبي يُوسفَ؛ لأنَّ الأصلَ عندَه أنَّ ما كانَ ثَناءً أو قُرآنًا لا يتغيَّرُ بالنِّيةِ، وعندَهما يتغيَّرُ.

وصَرَّحوا بأنَّ تَشميتَ العاطِسِ في الصَّلاةِ لغيرِه يُفسِدُ الصَّلاةَ؛ فلو عَطَسَ شَخصٌ فقالَ له المُصلِّي: «يَرحَمُكَ اللهُ»، فَسَدَت صَلاتُه؛ لأنَّه يَجرِي في مُخاطَباتِ النَّاسِ، فكانَ مِنْ كَلامِهم، بخِلافِ ما إذا قالَ العاطِسُ أو السَّامِعُ: الحَمدُ للهِ؛ فإنَّها لا تُفسِدُ صَلاتَه؛ لأنَّه لم يُتَعارَف جَوابًا إلَّا إذا أرادَ التَّعليمَ؛ فإنَّ صَلاتَه تفسُدُ، وأمَّا إذا عطَس فشَمَّتَ نَفسَه فقالَ: يَرحَمُكِ اللهُ يا نَفسُ، لا تفسُدُ صَلاتُه؛ لأنَّه لم يكن خِطابًا لغيرِه لم يُعتبَر من كَلامِ النَّاسِ، كما إذا قالَ: يَرحَمُنِي اللهُ (١).

وذَهب الشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ الصَّلاةَ لا تبطُلُ بالذِّكرِ والدُّعاءِ إلَّا أن يُخاطِبَ كقولِه لِعاطِسٍ: يَرحَمُكَ اللهُ؛ فتبطُلَ بذلك، ويُستَثنَى من ذلك الخِطابُ للهِ تَعالى ولِرَسولِه فلا تبطُلُ به الصَّلاةُ، ك «لا قُوَّةَ إلَّا باللهِ».

وصرَّح الحَنابِلةُ بكَراهَتِه؛ لِلِاختِلافِ في إبطالِ الصَّلاةِ.

واستدَلُّوا على جَوازِ ذلك بما رَواهُ رِفاعةُ بنُ مالِكٍ قالَ:


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٢٣٥)، و «رد المحتار» (١/ ٦٢٠، ٦٢١)، و «فتح القدير» (١/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>