للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمُ الأوَّلِ، فيَكونُ الاستِثناءُ أو التعليقُ بعدَه رُجوعًا عنه، فلا يُقبَلُ، ولو سكَتَ قدْرَ ما تَنفَّسَ أو عطَسَ أو تَجشَّأَ أو كانَ بلِسانِه ثِقلٌ فَطالَ تَردُّدُه ثمَّ قالَ: «إنْ شاءَ اللهُ» صحَّ الاستثناءُ؛ لأنَّ هذا النوعَ مِنْ الفَصلِ ممَّا لا يُمكِنُ التحرُّزُ عنه، فلا يُعتبَرُ فَصلًا ويُعطَى له حُكمُ الوَصلِ للضَّرورةِ.

ولأنَّ الاستثناءَ المَفصولَ لو كانَ صَحيحًا لَكانَ المُطلِّقُ يَستثني إذا نَدِمَ ولا حاجةَ إلى المُحلِّلِ، وفي تَصحيحِ الاستِثناءِ مَفصولًا إخراجُ العُقودِ كلِّها مِنْ البُيوعِ والأنكِحةِ مِنْ أنْ تَكونَ مُلزِمةً، وإخراجُها مِنْ أنْ تَكونَ مُقيِّدةً لأحكامِها؛ لأنه يَبيعُ أو يَتزوَّجُ أو يُطلِّقُ ثمَّ يَستثني أيَّ وقَتٍ شاءَ، فلو كانَ هذا يَصحُّ لَمَا احتِيجَ إلى الزوجِ الثاني حتى تَحِلَّ للأولِ فيما إذا طلَّقَها ثلاثًا، بلْ كانَ يُؤمَرُ بالاستثناءِ حتى تَبطُلَ الطَّلقاتُ الثلاثُ بهِ، وكذا بيَّنَ اللهُ تعالَى ورَسولُه أحكامَ الحِنثِ في الأيمانِ، ولو كانَ الاستثناءُ المَفصولُ جائزًا لَأمَرَ اللهُ به حتى لا يَلزمَه الحِنثُ ولا الإثمُ.

قالَ الكاسانِيُّ : وشَرطُه أنْ يَكونَ الاستِثناءُ مَوصولًا بما قبلَه مِنْ الكَلامِ عندَ عَدمِ الضَّرورةِ، حتى لو حصَلَ الفَصلُ بينَهُما بسُكوتٍ أو غيرِ ذلكَ مِنْ غيرِ ضَرورةٍ لا يَصحُّ، وهذا قَولُ عامَّةِ الصحابةِ وعامَّةِ العُلماءِ، إلا شيئًا رُويَ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ أنَّ هذا ليسَ بشَرطٍ ويَصحُّ متَّصِلًا ومُنفصِلًا … (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٥٤، ١٥٥)، و «المبسوط» (٨/ ١٤٣)، و «الاختيار» (٣/ ١٧٦)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ١١٦)، و «الفتاوى الهندية» (٦/ ٣٩٦)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٧٧)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ٥٣، ٥٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٨٣)، و «البيان» (١٠/ ١٣١، ١٣٢)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٥٣١)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٨٧)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٤٣٣، ٤٣٤)، و «الديباج» (٣/ ٤٣٣)، و «المغني» (٩/ ٤١٢)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣١١)، و «الروض المربع» (٢/ ٣٨٣)، و «منار السبيل» (٣/ ١٠٨، ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>