إلى أنَّ التعليقَ يَحصلُ على مَشيئةٍ لم يُعلَمْ وُجودُها، أشبَهَ ما لو علَّقَه على مَشيئةِ زَيدٍ، وأُجيبَ بأنَّ مَشيئةَ اللهِ تعالَى قد عُلِمتْ بمُباشَرةِ الآدَميِّ سبَبَ ذلكَ وهو النَّطقُ بالطلاقِ، ونقَلَ الشيخُ أبو حامِدٍ الإسفرائينيُّ ومَن تَبعَه عن إمامِنا رِوايةً بالتفرقةِ بينَ الطلاقِ العِتاقِ، وقطَعَ أبو البَركاتِ وغيرُه بأنَّ ذلكَ غلَطٌ على الإمامِ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدِ ﵀: فأمَّا تَعليقُ الطلاقِ بالمَشيئةِ فإنه لا يَخلو أنْ يُعلِّقَه بمَشيئةِ اللهِ أو بمَشيئةِ مَخلوقٍ، فإذا علَّقَه بمَشيئةِ اللهِ -وسَواءٌ علَّقَه على جِهةِ الشرطِ مثلَ أنْ يقولَ:«أنتِ طالقٌ إنْ شاءَ اللهُ»، أو على جِهةِ الاستِثناءِ مثلَ أنْ يَقولَ:«أنتِ طالقٌ إلا أنْ يَشاءَ اللهُ» - فإنَّ مالكًا قالَ: لا يُؤثِّرُ الاستثناءُ في الطلاقِ شيئًا، وهو واقِعٌ ولا بُدَّ.
وقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ: إذا استَثنَى المُطلِّقُ مَشيئةَ اللهِ لم يَقعِ الطلاقُ.
وسَببُ الخِلافِ: هل يَتعلَّقُ الاستِثناءُ بالأفعالِ الحاضِرةِ الواقِعةِ كتَعلُّقِه بالأفعالِ المُستقبَلةِ؟ أو لا يَتعلَّقُ، وذلكَ أنَّ الطلاقَ هو فِعلٌ حاضرٌ؟ فمن قالَ:«لا يَتعلَّقُ به» قالَ: لا يُؤثِّرُ الاستثناءُ ولا اشتِراطُ المَشيئةِ في الطلاقِ، ومَن قالَ:«يَتعلَّقُ به» قالَ: يُؤثِّرُ فيهِ.
(١) «شرح الزركشي» (٣/ ٣١٥، ٣١٦)، ويُنظَر: «المحرر في الفقه» (٢/ ٧٢)، و «إعلام الموقعين» (٤/ ٥٧، ٥٨)، و «المبدع» (٧/ ٣٦٣، ٣٦٤)، و «الإنصاف» (٩/ ١٠٤، ١٠٦)، و «الروض المربع» (٢/ ٤٠٣).