حَيثُ شئتِ، أو أنَّى شئتِ» لم تَطلُقْ حتى تَشاءَ وتَنطِقَ بالمَشيئةِ بلِسانِها فتقولَ:«قدْ شِئتُ»؛ لأنَّ ما في القَلبِ لا يُعلَمُ حتى يُعبِّرَ عنه اللِّسانُ، فتَعلَّقَ الحُكمُ بما يَنطقُ بهِ دونَ ما في القَلبِ، فلو شاءَتْ بقَلبِها دونَ نُطقِها لم يقَعْ طلاقٌ، ولو قالَتْ:«قدْ شِئتُ» بلِسانِها وهي كارهةٌ لَوقَعَ الطلاقُ؛ اعتبارًا بالنُّطقِ، وكذلكَ إنْ علَّقَ الطلاقَ بمَشيئةِ غيرِها، ومتى وُجدَتِ المَشيئةُ باللسانِ وقَعَ الطلاقُ، سواءٌ كانَ على الفَورِ أو التراخي، نَصَّ عليهِ أحمَدُ في تَعليقِ الطلاقِ بمَشيئةِ فُلانٍ، وفيما إذا قالَ:«أنتِ طالقٌ حَيثُ شِئتِ، أو أنَّى شئتِ»؛ لأنه أضافَ الطلاقَ إلى مَشيئتِها، فأشبَهَ ما لو قالَ:«حَيثُ شئتِ»، ولأنهُ تَعليقٌ للطلاقِ على شرطٍ، فكانَ على التراخي كسائرِ التعليقِ، ولأنه إزالةُ مِلكٍ مُعلَّقٍ على المَشيئةِ، فكانَ على التراخي كالعِتقِ.
وإنْ ماتَ مَنْ لهُ المَشيئةُ أو جُنَّ لم يقَعِ الطلاقُ؛ لأنَّ شرْطَ الطلاقِ لم يُوجَدْ، وحُكيَ عن أبي بكرٍ أنه يَقعُ، وليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ الطلاقَ المُعلَّقَ على شَرطٍ لا يقَعُ إذا تَعذَّرَ شَرطُه، كما لو قالَ:«أنتِ طالقٌ إنْ دخَلْتِ الدارِ»، وإنْ شاءَ وهو مَجنونٌ لم يَقعْ طلاقُه؛ لأنه لا حُكمَ لكَلامِه، وإنْ شاءَ وهو سَكرانُ فالصحيحُ أنه لا يقَعُ؛ لأنهُ زائِلُ العَقلِ، فهو كالمَجنونِ، وإنْ شاءَ وهو طِفلٌ لم يَقعْ؛ لأنه كالمَجنونِ، وإنْ كانَ يَعقلُ الطلاقَ وقَعَ؛ لأنَّ له مَشيئتَه، ولذلكَ يَصحُّ اختِيارُه لأحَدِ أبوَيه، وإنْ كانَ أخرَسَ فَشاءَ بالإشارةِ وقَعَ الطلاقُ؛ لأنَّ إشارتَه تَقومُ مَقامَ نُطقِ الناطقِ، ولذلكَ وقَعَ طلاقُه بها.