فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ ومُحمدٌ والمالِكيةُ والحنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إذا قالَ لها: «إنْ خَرجْتِ بغَيرِ إذني فأنتِ طالِقٌ» ثمَّ أَذِنَ لها ولَم تَعلمْ فخَرجَتْ فإنها تَطلُقُ؛ لأنَّ قصْدَه «لا تَخرُجِي إلَّا بسَببِ إذني»، وقد صَدَقَ عليها أنها خَرجَتْ بغَيرِ سَببِ إذنِه، ولأنَّ الإذنَ حُكمٌ مِنْ أفعالِ أحكامِ المُكلَّفينَ يَتعلَّقَ بقائلٍ ومَقُولٍ له، فوجَبَ إذا فُعِلَ عارِيًا مِنْ عِلمِ فاعلِه بثُبوتِ ذلكَ الحُكمِ لهُ أنْ لا يُحكَمَ لفاعِلِه بأنَّه فعَلَه على ذلكَ الوجهِ، أصلُه الأمرُ والنَّهيُ، ولأنَّ مَنْ حلَفَ على امرَأتِه ألَّا تَخرجَ إلَّا بإذنِه فمَفهومُ ذلكَ مَنعُها مِنْ الافتِياتِ عليهِ وزَجرُها مِنْ اعتِقادِها أنها لا تلزمُ مُراعاة إذنِه وقَصرها على التَّصرفِ بيْنَ أمرِه ونهيِهِ فقطْ، وإذا كانَ هذا هو الغَرضَ وكانَ ذلكَ لا يُوجَدُ إلَّا مع عِلمِها بالإذنِ كانَ مَضمومًا إليهِ ومَشروطًا معهُ، فإذا وقَعَ عارِيًا منهُ وجَبَ أنْ يحنثَ بهِ، ولأنَّ الخُروجَ وُجِدَ مِنها على الصِّفةِ الَّتي كانَ عليها قبْلَ الإذنِ مِنِ اعتِقادِ الافتِياتِ عليهِ، فأشبَهَ أنْ تَخرجَ قبْلَ إذنِه.
ولأنَّ الإذنَ إعلامٌ، وكذلكَ قيلَ في قولِه تعالَى: ﴿آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنبياء: ١٠٩]، أي: أَعلَمْتُكم، فاستَويَا في العِلمِ، ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٣] أي: إعلامٌ، ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] فاعلَمُوا بهِ، واشتِقاقُه مِنْ الإذنِ، يَعني أوقَعْتُه في إذنِكَ وأعلَمْتُكَ بهِ، ومعَ عدمِ العِلمِ لا يكونُ إعلامًا فلا يَكونُ إذنًا، ولأنَّ إذْنَ الشَّارعِ في أوامِرِه ونواهِيه لا يَثبتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute