الخُروجَ الثَّاني خُروجٌ غَيرُ مأذونٍ فيهِ، وهوَ مَحلوفٌ عَليهِ، أشبَهَ ما لو خَرجَتِ ابتِداءً بغَيرِ إذنِه.
فإنْ أَذِنَ لها في الخُروجِ كُلَّما شاءَتْ بأنْ قالَ لها: «اخرُجي كُلَّما شِئْتِ» لَم تَطلُقْ بخُروجِها؛ للإذنِ العامِّ، فلم تَخرُجْ إلَّا بإذنِه (١).
والمذهَبُ الثَّالثُ: وهوَ مذهَبُ الحَنفيَّةِ، قالوا: إذا حلَفَ على امرَأتِه بالطَّلاقِ أنْ لا تَخرُجَ حتَّى يأذَنَ لها فأَذِنَ لها مرَّةً سقَطَتِ اليَمينُ؛ لأنَّ «حتَّى» للغايَةِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)﴾ [القدر: ٥]، واليَمينُ يَتوقَّتُ بالتَّوقيتِ، ومِن حُكمِ الغايةِ أنْ يكونَ ما بعْدَها بخِلافِ ما قبْلَها، فإذا انتَهتِ اليَمينُ بالإذنِ مرَّةً لم يَحنَثْ بعْدَ ذلكَ وإنْ خَرجَتْ بغَيرِ إذنِه، إلَّا أنْ يَنويَ الإذنَ في كُلِّ مرَّةٍ، فحِينئذٍ يَكونُ مُشدِّدًا الأمرَ على نَفسِه بلفظٍ يَحتمِلُه.
ولو قالَ: «لا تُخرُجي إلَّا بإذني» فلا بُدَّ مِنْ الإذنِ لكُلِّ مرَّةٍ، حتَّى إذا خرَجَتْ مرَّةً بغَيرِ إذنِه حنَثَ؛ لأنَّه استَثنَى خُروجًا بصِفةٍ، وهوَ أنْ يكونَ بإذنِه، فإنَّ «الباءَ» للإلصاقِ، فكُلُّ خُروجٍ لا يكونُ بتِلكَ الصِّفةِ كانَ شَرط الحنثِ، ومعنى كَلامِه: «إلَّا مُستَأذِنةً»، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم: ٦٤] أي مَأمُورِينَ بذلكَ، ونَظيرُه: «إنْ خَرجْتِ إلَّا بقِناعٍ، أو إلَّا
(١) «المغني» (١٠/ ٤٦)، و «الكافي» (٤/ ٤٠٧)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٤٣)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٥٤، ٣٥٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute