فاختَلفُوا في انعِقادِ اليَمينِ بهذهِ الألفاظِ، هل تُوجِبُ التَّكرارَ في البِرِّ والحِنثِ؟ على ثَلاثةِ مَذاهبَ للفُقهاءِ:
المذهَبُ الأوَّلُ: وهوَ مَذهبُ الشَّافِعيةِ والحَنابلةِ في رِوايةٍ أنها تَنعقِدُ على مرَّةٍ واحدَةٍ في البِرِّ والحِنثِ، ولا تُوجِبُ التَّكرارَ في بِرٍّ ولا حِنثٍ، فإنْ خَرجَتْ مرَّةً واحِدةً بإذنٍ بَرَّ وانحَلَّتِ اليَمينُ، ولا يَحنَثُ إنْ خَرجَتْ بعْدَ ذلكَ بغَيرِ إذنٍ، وإنْ خَرجَتْ مرَّةً واحِدةً بغَيرِ إذنٍ حنَثَ وسقَطَتِ اليَمينُ، ولا يَعودُ الحِنثُ إنْ خَرجَتْ بعْدَه بغَيرِ إذنٍ.
لأن كُلَّ يَمينٍ اشتَملَتْ على مَنعٍ وتَمكينٍ وجَبَ أنْ يكونَ البِرُّ فيها مُقابِلًا للحِنثِ في وُجوبِ التَّكرارِ وسُقوطِه، كالمَعقودُ بلَفظِ الغايَةِ في سُقوطِ التَّكرارِ، وكالمَعقودةِ ب «كُلَّما» في وُجوبِ التَّكرارِ.
ولأنَّ البِرَّ والحِنثَ في الأيمانِ مُعتبَرانِ بالعَقدِ، فإنْ أوجَبَ تَكرارِ المَنعِ والتَّمكينِ أوجَبَ تَكرارَ البِرِّ والحِنثِ، وإنْ لم يُوجِبْ تَكرارَهُما لم يَتكرَّرْ البِرِّ والحِنثِ، ولَفظُ التَّكرارِ مَعدومٌ في قَولِه:«إنْ خَرجْتِ إلَّا بإذني»، فانعَقدَ على مرَّةٍ، ومَوجودٌ في قَولِه:«كُلَّما خَرجْتِ بغَيرِ إذني»، فانعَقدَ على كُلِّ مرَّةٍ، ألَا تَراهُ لو قالَ لها:«إنْ خَرجْتِ بإذني فأنتِ طالِقٌ» انعَقدَتْ على مرَّةٍ، ولو قالَ:«كُلَّما خَرجْتِ بإذني فأنتِ طالِقٌ» انعَقدَتْ على مرَّةٍ، ولو قالَ:«كُلَّما خَرجْتِ بإذني» انعَقدَتْ على التَّكرارِ وما انعَقدَتْ