الخامسُ أنَّهُ ما نواهُ مِنْ ذلكَ مُطلَقًا، سواءٌ قبْلَ الدُّخولِ وبعْدَه، وقدْ عَرَفْت تَوجيهَ هذهِ الأقوالِ …
[مَذهبُ ابنِ تَيميةَ في المَسألَةِ]:
وفي المَسألةِ مَذهبٌ آخَرُ وراءَ هذا كُلِّه، وهو أنهُ إنْ أَوْقعَ التَّحريمَ كانَ ظِهارًا ولو نَوى بهِ الطَّلاقَ، وإنْ حلَفَ بهِ كانَ يَمينًا مُكفَّرةً، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ، وعليهِ يَدلُّ النَّصُّ والقِياسُ؛ فإنهُ إذا أوقعَهُ كانَ قَدْ أتَى مُنكَرًا مِنَ القَولِ وزُورًا، وكانَ أَولَى بكفَّارةِ الظِّهارِ ممَّنْ شبَّهَ امرأتَهُ بالمُحرَّمةِ، وإذا حَلفَ بهِ كانَ يَمينًا مِنَ الأيمانِ، كما لو حلَفَ بالتِزامِ العِتقِ والحَجِّ والصَّدقةِ، وهذا مَحضُ القِياسِ والفِقهِ، ألَا تَرَى أنهُ إذا قالَ: «للهِ عليَّ أنْ أُعتِقَ، أو أحُجَّ، أو أصُومَ» لَزمَه، ولو قالَ: «إنْ كَلَّمْت فُلانًا فللَّهِ عليَّ ذلكَ» على وَجهِ اليَمينِ فهوَ يمينٌ، وكذلكَ لو قالَ: «هوَ يَهوديٌّ، أو نَصرانِيٌّ» كفَرَ بذلكَ، ولو قالَ: «إنْ فَعَلْت كذا فهو يَهوديٌّ أو نَصرانِيٌّ» كانَ يَمينًا، وطَرْدَ هذا -بَلْ نَظيرُهُ مِنْ كُلِّ وَجهٍ- أنهُ إذا قالَ: «أنتِ عَليَّ كظَهرِ أُمِّي» كانَ ظِهارًا، فلو قالَ: «إنْ فَعلْت كذا فأنتِ عَليَّ كظَهرِ أُمِّي» كانَ يَمينًا، وطَرْدُ هذا أيضًا إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ» كانَ طلاقًا، وإنْ قالَ: «إنْ فَعلْت كذا فأنتِ طالِقٌ» كانَ يَمينًا، فهذه هي الأصولُ الصَّحيحةُ المُطَّرِدةُ المأخوذةُ مِنَ الكِتابِ والسُّنةِ والمِيزانِ، وباللهِ التَّوفِيقُ (١).
(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ٦٦، ٧٣)، وذكَرَها أيضًا ابنُ المُنذِرِ في «الأوسط» (٩/ ١٨٨، ١٩٥)، و «الإشراف» (٥/ ٢٠٠، ٢٠٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute