وإنْ قالَ:«أردْتُ الكذِبَ» فليسَ بشيءٍ وهوَ كما قالَ، ولا يكونُ إيلاءً؛ لأنَّه نَوى حَقيقةَ كَلامِه، وهذا فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ، أمَّا في القَضاءِ فلا يُصدَّقُ ويكونُ يَمينًا؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الحرامَ في الشَّرعِ يَمينٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ إلى قَولِه: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾، قيلَ: نَزلَتِ الآيةُ في تَحريمِ جارِيتِه ﷺ ماريةَ القبطيَّةِ لمَّا قالَ: «هي عليَّ حَرامٌ»، وسمَّى اللهُ تعالَى ذلكَ يَمينًا بقَولِه: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ أي: وسَّعَ اللهُ عليكُم أو أباحَ لكُم أنْ تُحِلُّوا مَنْ أيمانِكُم بالكَّفارةِ، وفي بَعضِ القِراءاتِ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ﴾، والخِطابُ عامٌّ يَتناولُ رَسولَ اللهِ وأمَّتَه.
وكفَّارةُ اليَمينِ تَستَدعي وُجودَ اليَمينِ، فدَلَّ أنَّ هذا اللَّفظَ يَمينٌ في الشَّرعِ، فإذا نَوى بهِ الكذِبَ لا يُصدَّقُ في إبطالِ اليَمينِ في القَضاءِ؛ لعُدولِه عنِ الظَّاهِرِ.
وقالَ في «اللُّبابِ»: قالَ في «الهِداية»: ومِنَ المَشايخِ مَنْ يَصرِفُ لفْظَ التَّحريمِ إلى الطَّلاقِ مِنْ غيرِ نيَّةٍ لحُكمِ العُرفِ، قالَ الإمامُ المَحبُوبِيُّ: وبهِ يُفتَى.
وقالَ نَجمُ الأئمَّةِ: قالَ أصحابُنا المُتأخِّرونَ: «الحَلالُ عَليَّ حَرامٌ، أو أنتِ عليَّ حَرامٌ، أو حَلالُ اللهِ عليَّ حَرامٌ، أو كُلُّ حَلالٍ عليَّ حَرامٌ» طلاقٌ بائِنٌ، ولا يَفتقِرُ إلى النَّيةِ؛ للعُرفِ، حتَّى قالُوا في قَولِ مُحمدٍ: (إنْ نَوى يَمينًا