للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكَى غَيرُ واحِدٍ مِنَ العُلماءِ الاتِّفاقَ على وُقوعِ الطَّلاقِ بغَيرِ نيَّةٍ.

قالَ الإمامُ القرافِيُّ : أجمَعُوا على أنَّ صَريحَ الطَّلاقِ لا يَفتقِرُ إلى نيَّةٍ (١).

وقالَ الإمامُ بَدرُ الدِّينِ العينيُّ : ولا يَفتقِرُ إلى النِّيةِ؛ لأنهُ صَريحٌ فيهِ لغَلبةِ الاستِعمالِ على الطَّلاقِ … وهذا بإجماعِ الفُقهاءِ.

وقالَ داودُ: يَفتقِرُ الصَّريحُ إلى النِّيةِ؛ لاحتِمالِ غَيرِ الطَّلاقِ.

قلتُ: هذا الاحتِمالُ مَرجُوحٌ، فلا يُعتبَرُ نفْيُ الاستِعمالِ في الطَّلاقِ والنَّية في تَعيينِ المُبهَمِ ولا إبهامَ فيهِ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ الهُمامِ : وأمَّا كَونُه لا يَفتقِرُ إلى النِّيةِ فنُقِلَ فيهِ إجماعُ الفُقهاءِ، إلَّا داودَ فإنهُ لا يَمنَعُ أنْ يُرادَ بهِ الطَّلاقُ مِنْ غَيرِ قَيدِ النِّكاحِ، قُلنا: هذا احتِمالٌ يَعزُبُ إخطارُه عِنْدَ خِطابِ المَرأةِ بهِ عَنْ النَّفسِ فلا عِبرةَ بهِ، فصارَ اللَّفظُ بمَنزلةِ المَعنَى، وحَديثُ ابنِ عُمَرَ حيثُ أمَرَه بالمُراجَعةِ ولَم يَسألْه أَنَوى أم لا؟ يَدلُّ على ذلكَ، فإنَّ ترْكَ الاستِفصالِ في وَقائعِ الأحوالِ كالعُمومِ في المَقالِ، ولا يَخفَى أنَّ قَرائِنَ إرادةِ الإيقاعِ قائمةٌ فيما فعَلَ ابنُ عمَرَ مِنَ الاعتِزالِ والتَّركِ لها حتَّى فُهمَ ذلكَ منهُ، ودَلالةُ إطلاقِ قَولِه تعالَى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ ونَحوِه على اعتِبارِ عَدمِ النِّيةِ أبعَدُ، ثمَّ قَولُنا: «لا يَتوقَّفُ


(١) «الذخيرة» (٤/ ٥٨).
(٢) «البناية شرح الهداية» (٥/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>