للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الشَّافعيةُ في أحَدِ الوَجهَينِ -وهَو الَّذي ذكَرَه أبو حامِدٍ الإسفرايينيُّ وحَكاه عنِ الشَّافعيةِ- والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَلزمُه الطَّلاقُ حتَّى يَعرِفَ مَعنَى اللَّفظِ؛ لأنَّهُ مُوجِبٌ للطَّلاقِ، كما لا يَصيرُ كافِرًا إذا تَكلَّمَ بكَلمةِ الكُفرِ وأرادَ مُوجبَهُ بالعَربيَّةِ.

وفي «مُصنَّف وَكيعٍ»: أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ قَضَى في امرَأةٍ قالَتْ لزَوجِها: «سَمِّنِي» فَسمَّاها الطَّيِّبَة فقالَتْ: لا، فقالَ لها: «مَا تُريدينَ أنْ أُسميَكِ؟» قالَتْ: «سَمِّنِي خَليَّةَ طالقٍ»، فقالَ لها: «فأنتِ خَليَّةُ طالِقٍ»، فأتَتْ عُمرَ بنَ الخطَّابِ فقالَتْ: إنَّ زَوجِي طلَّقَنِي، فجاءَ زَوجُها فقَصَّ عليهِ القصَّةَ، فأوجَعَ عُمرُ رَأسَها وقالَ لزَوجهَا: خُذْ بيَدِها وأَوجِعْ رَأسَها»، قالَ ابنُ القيِّمِ : وهذا هوَ الفِقهُ الحيِّ الَّذي يَدخلُ على القُلوبِ بغَيرِ استِئذانٍ، وإنْ تَلفَّظَ بصَريحِ الطَّلاقِ، وقَد تقدَّمَ أنَّ الَّذي قالَ لمَّا وجَدَ راحِلتَه: «اللَّهمَّ أنتَ عَبدِي وأنا رَبُّك، أخطَأَ مِنْ شدَّةِ الفَرحِ» لم يَكفُرْ بذلكَ وإنْ أتَى بصَريحِ الكُفرِ؛ لكَونِه لَم يُرِدْه (١).

واختارَ الإمامُ الماوَرْديُّ والحَنابلةُ في وَجهٍ أنَّهُ يقَعُ في هذهِ الحالَةِ؛ لأنَّه أتَى بالطَّلاقِ ناوِيًا مُقتضاهُ، فوقَعَ كما لو عَلِمَه.

قالَ الماوَرديُّ : وعِندِي أنَّ الطَّلاقَ لازِمٌ لهُ؛ لأنَّهُ قد أرادَ مُوجَبَ اللَّفظِ وإنْ لم يَعرِفْ مَعناهُ؛ لأنَّ الطَّلاقَ يَقعُ بمُجرَّدِ اللَّفظِ إذا كانَ المُتكلِّمُ


(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>