والطَّلاقُ عِنْدَ أصحابِنا وغَيرِهم يَنقسِمُ إلى صَحيحٍ وفاسِدٍ، كما قالُوا -واللَّفظُ لأبي الخطَّابِ في «الانتِصَار» - في مَسألةِ المُكرَهِ: «إنَّهُ قَولٌ حُمِلَ عَليهِ بغَيرِ حقٍّ فلَم يَلزمْهُ حُكمُهُ كالإقرارِ بالطَّلاقِ»، قالَ: وهذا لأنَّ لفْظَ الطَّلاقِ يَنقسمُ إلى صَحيحٍ وفاسِدٍ، وليسَ نُفوذُهُ أمْرًا مَحسُوسًا لا مَردَّ لهُ، فإذا كانَ مَحمولًا عليهِ بالباطلِ كانَ مَردودًا؛ لأنَّ الشَّرعَ يحكمُ في الرَّدِّ والقَبولِ، وقَرَّرَ ذلكَ …
ثمَّ قالَ ﵀: هذا معَ أنَّ الشَّارعَ يُضيِّقُ إيقاعَهُ، فنَهَى عَنْ إيقاعِهِ في الحَيضِ وفي طُهرٍ أصابها فيهِ، وعَن إيقاعِ الثَّلاثِ جُملةً، بلْ أمَرَ أنْ لا يُطلِّقَ إلَّا واحدَةً في طُهرٍ لَم يُصبْها فيهِ، ولا يُردِفَها بطَلاقٍ حتَّى تَقضيَ العدَّةَ إنْ لم يَكنْ لهُ غرَضٌ في رَجعَتِها، وهذا مِنَ الشَّارِعِ تَضييقٌ لوُقوعِه.
والنِّكاحُ يُشرَعُ وقْتَ حَيضِ المَرأةِ ونِفاسِها وصَومِها واعتِكافِها وصَومِ الرَّجلِ واعتِكافِهِ، وإنْ كانَ الوَطءُ مُتعذِّرًا، ويُشرَعُ في الأوقاتِ الفاضِلةِ، فالواجِبُ مَنعُ وُقوعِ ما يُبغِضُه اللهُ، إلَّا حَيثُ يَكونُ في وُقوعِه مَصلحةٌ راجِحةٌ، وتَيسيرُ وُقوعِ ما يُحبُّهُ اللهُ إلَّا إذا كانَ في وُقوعِهِ مَفسدَةٌ راجِحةٌ، وحَيثُ لا تكونُ مَصلحةُ وُقوعِه راجِحةً فالأُصولُ تَقتضِي أنَّهُ لا يَقعُ؛ لأنَّ الشَّارعَ لا يُوقِعُ إلَّا ما تَكونُ مَصلحتُهُ مَحْضَةً أو راجِحةً، وما كانَ مَفسدتُهُ مَحْضَةً أو راجِحةً فإنَّهُ يَرفعُهُ ولا يُوقعِهُ، واللهُ أعلَمُ (١).
(١) «جامع المسائل» لابن تيمية (١/ ٢٨٠، ٣٤٩)، ويُنظَر ما بعْدَها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute