للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِوايتِه وفَتواهُ على عَدمِ الاعتِدادِ، وخالَفَ في ذلكَ ألفاظًا مُجمَلةً مُضطَربةً كما تَقدَّمَ بيانُه.

وأمَّا قَولُ ابنِ عُمرَ : «ومَالي لا أَعتدُّ بها» وقَولُه: «أَرأيتَ إنْ عجَزَ واستَحمَقَ» فغايةُ هذا أنْ يكونَ رِوايةً صَريحةً عنهُ بالوُقوعِ، ويكونَ عَنهُ رِوايتانِ.

وقَولُكم: «كيفَ يُفتِي بالوُقوعِ وهوَ يَعلمُ أنَّ رَسولَ اللهِ قَدْ رَدَّها عليهِ ولَم يَعتَّدَ عليهِ بها؟» فليسَ هذا بأوَّلِ حَديثٍ خالَفَه راوِيهِ، ولهُ بغَيرِه مِنَ الأحاديثِ الَّتي خالَفَها راويهَا أُسوةٌ حسَنةٌ في تَقديمِ رِوايةِ الصَّحابِي ومَن بَعدَهُ على رَأيهِ.

وأمَّا قَولُكم: «إنَّ النِّكاحَ نِعمةٌ، فلا يكونُ سَبَبُه إلَّا طاعةً، بخِلافِ الطَّلاقِ؛ فإنَّه مِنْ بابِ إزالةِ النِّعَمِ، فيَجوزُ أنْ يكونَ سَببُه مَعصيةً»، فيُقالُ: قَدْ يَكونُ الطَّلاقُ مِنْ أكبَرِ النِّعمِ الَّتي يَفكُّ بها المُطلِّقُ الغلَّ مِنْ عُنقِه والقَيدَ مِنْ رَجْلِه، فليسَ كلُّ طلاقٍ نِقمةً، بل مِنْ تَمامِ نِعمةِ اللهِ على عِبادِه أنْ مَكَّنَهم مِنَ المُفارَقةِ بالطَّلاقِ إذا أرادَ أحَدُهم استِبدالَ زَوجٍ مَكانَ زَوجٍ والتَّخلُّصَ مِمَّنْ لا يُحبُّها ولا يُلائِمُها، فلَمْ يُرَ للمُتحابّينَ مِثلُ النِّكاحِ، ولا للمُتباغِضَينِ مِثلُ الطَّلاقِ، ثمَّ كيفَ يَكونُ نِقمةً واللهُ تعالَى يَقولُ: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٦]، ويَقولُ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١]؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>