وذكَرَ أبو داوُدَ والنَّسائيُّ مِنْ حَديثِ ابن عبَّاسٍ «أنَّ امرأةَ ثابتِ بنِ قَيسٍ اختَلعَتْ مِنْ زَوجِها فأمَرَها النَّبيُّ ﷺ أو أُمرَتْ أنْ تَعتدَّ بحَيضةٍ»، قالَ التِّرمذيُّ: الصَّحيحُ أنها أُمرَتْ أنْ تَعتدَّ بحَيضةٍ، وهذهِ الأحادِيثُ لها طُرقٌ يُصدِّقُ بعضُها بَعضًا، وأُعِلَّ الحَديثُ بعلَّتَينِ: إحداهُما: إرسالُه، والثَّانيةُ: أنَّ الصَّحيحَ فيهِ «أُمرَتْ» بحَذفِ الفاعِلِ، والعلَّتانِ غيرُ مؤثِّرتَينِ، فإنه قد رُويَ مِنْ وُجوهٍ متَّصِلةٍ، ولا تَعارضَ بيْنَ «أُمرَتْ» و «أمَرَها رَسولُ اللهِ ﷺ»؛ إذْ مِنْ المُحالِ أنْ يكونَ الآمِرُ لها بذلكَ غيرَ رَسولِ اللهِ ﷺ في حَياتِه، وإذا كانَ الحَديثُ قد رُويَ بلَفظٍ مُحتمَلٍ ولَفظٍ صَريحٍ يُفسِّرُ المُحتمَلَ ويبيِّنُه، فكيفَ يُجعلُ المُحتمَلُ معارِضًا للمُفسِّرِ بل مُقدَّمًا عليه؟! ثمَّ يَكفي في ذلكَ فَتاوَى أصحابِ رَسولِ اللهِ ﷺ، قالَ أبو جَعفرٍ النحَّاسُ في كِتابِ النَّاسخِ والمَنسوخِ: هو إجماعٌ مِنْ الصَّحابةِ.
وأمَّا اقتِضاءُ النَّظرِ لهُ: فإنَّ المُختلِعةَ لم تبْقَ لزَوجِها عليها عدَّةٌ، وقَد ملكَتْ نفْسَها وصارَتْ أحَقَّ ببُضعِها، فلها أنْ تتزوَّجَ بعْدَ بَراءةِ رَحمِها، فصارَتِ العدَّةُ في حقِّها بمُجرَّدِ بَراءةِ الرَّحمِ، وقَد رَأيْنا الشَّريعةَ جاءَتْ في هذا النَّوعِ بحَيضةٍ واحِدةٍ كما جاءَتْ بذلكَ في المَسبيَّةِ والمَملوكةِ بعَقدِ مُعاوَضةٍ أو تَبرعٍ والمُهاجِرةِ مِنْ دارِ الحَربِ، ولا رَيبَ أنها جاءَتْ بثَلاثةِ أقراءٍ في الرَّجعيةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute