فالمُؤمِنونَ الصادِقونَ يَزدادونَ بالبَلاءِ إِيمانًا، وتَسليمًا، والمُنافِقونَ، يَخافونَ من لا شَيءَ، كما قالَ تَعالى: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ [المنافقون: ٤].
قالَ العُليميُّ ما مُلخَّصُه: لمَّا ولِيَ المَأمونُ أبو جَعفرِ بنُ هارونَ الرَّشيدِ، وكانَت وِلايَتُه في المُحرمِ، وقيلَ: في رَجبٍ عامَ ثَمانيةٍ وتِسعينَ ومِئةٍ، صارَ إليه قَومٌ من المُعتزلةِ، وأَزاغوه عن طَريقِ الحَقِّ إلى الباطِلِ، وحَسَّنوا له قَبيحَ القَولِ بخَلقِ القُرآنِ، فصارَ إلى مَقالتِهم، وقُدِّرَ أنَّه في آخِرِ عُمرِه، خرَجَ من بَغدادَ لغَزوِ بِلادِ الرُّومِ، فعَنَّ له أنْ يَكتبَ إلى إِسحاقَ بنِ إِبراهيمَ بنِ مُصعبٍ صاحِبِ الشُّرطةِ أنْ يَدعوَ الناسَ إلى القَولِ بخَلقِ القُرآنِ، فاستَدعَى جَماعةً من العُلماءِ والقُضاةِ وأئِمةِ الحَديثِ، ودَعاهُم إلى ذلك، فامتَنَعوا، فهَدَّدهم، فأَجابَ أكثَرُهم مُكرَهينَ، واستمَرَّ الإِمامُ ﵁ على الامتِناعِ، واشتَدَّ غَضبُه.
فلمَّا أصرَّ الإمامُ أَحمدُ على الامتِناعِ، حُملَ على بَعيرٍ، وسَيَّروه إلى الخَليفةِ.
قالَ أبو جَعفرٍ الأَنباريُّ: لمَّا حُملَ الإِمامُ أَحمدُ بنُ حَنبلٍ، إلى المَأمونِ أُخبِرتُ، فعبَرتُ الفُراتَ، فإذا هو جالِسٌ في الخانِ، فسلَّمتُ عليه، فقالَ: يا أبا جَعفرٍ تَعنَّيتَ، فقُلتُ: ليسَ هذا عَناءً، وقُلتُ له: يا هذا، أنت اليَومَ رأسُ الناسِ، والناسُ يَقتَدونَ بكم، فواللهِ لئِن أجَبتَ إلى خَلقِ القُرآنِ ليُجيبَنَّ بإِجابَتِك خَلقٌ كَثيرٌ من خَلقِ اللهِ تَعالى، وإنْ لم تُجِبْ، ليَمتَنِعنَّ خَلقٌ من الناسِ كَثيرٌ، ومع هذا فإنَّ الرَّجلُ إنْ لم يَقتُلْك، فإنَّك تَموتُ، ولا بدَّ من