للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يَنفَعَ بهِ مَنْ اشتَغَلَ بهِ (١)، وأن يَرحَمَني (٢) والمُسلِمِينَ،

(١) قوله: (أن ينفع به من اشتغل به) أي: من تلبس بطلبه، مفعول ثان لأسأل، والتقدير: أسأل اللَّه النفع به. أي يوصل الناس خيرًا بسببه، أو أن الباء للتعدية، بجعل المختصر آلة للنفع. فإن قيل: هلا عبر بتلك العبارة لأنها أخصر؟ أجيب بأنه عدل عنها إلى ما قاله لأمرين؛ الأول: أنَّ هذا مقامُ دعاء فينبغي فيه الإطناب. الثاني: تحصيل البركة بوجود الضمير الراجع إلى اسم اللَّه المتقرر في الفعل دون المصدر. وأشار بقوله: من اشتغل به، إلى أنه عام مخصوص، أو أُريدَ به الخصوص.

(٢) قوله: (وأن يرحمني) عطفٌ على جملة «أن ينفع به»، من عطف الجُمل، أي: يجعلني في رحمته الواسعة التي وسعت كلَّ شيء، جملةٌ دُعائيَّةٌ قَصَدَ بها الدعاءَ لنفسه ولما ذكر؛ لما ورد في ذلك من الأخبار. وهي خبريَّة لفظًا إنشائية معنى، إلَّا أن المعنى واضحٌ على أن الرحمة صفةُ فعل بمعنى: الإنعام. وأمَّا على أنها صفةُ ذاتٍ بمعنى: إرادةُ الإنعام، فالدعاء باعتبار تعلُّقها التنجيزي الحادث؛ لأن لها تعلقاتٍ ثلاثة: تنجيزيان قديم وحادث، وصلوحيٌّ قديم، على ما هو مقرَّر عندهم.

ثم ما ذُكر من أنها بمعنى الإنعام أو إرادته، ليس على طريق الحقيقة، بل مجازٌ مرسلٌ من استعمال اسم الملزوم في اللَّازم؛ وذلك لأن معناها الحقيقي: رقَّةٌ في القلب وانعطافٌ، وهي مستحيلة على اللَّه تعالى، فيراد منها لازمها القريب، وهو إرادته [١].


[١] تأويله «الرحمة» بالإنعام، أو بإرادة الإنعام جري على طريقة الأشاعرة في تأويل الصفات. والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة الرحمة على الحقيقة لا المجاز، مع القطع بأنها ليست كرحمة المخلوق، ومن ثمرتها الإنعام. انظر: «هداية الراغب» (١/ ٣٤)، «فتاوى ابن إبراهيم» (١/ ٢٠١)، «حاشية ابن قاسم على الروض» (١/ ٢٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>