الدَّعوى؛ لأنه لمَّا ادَّعى في الجملة الأولى أعني: الحمد للَّه أن كلَّ كمال فهو للَّه تعالى وحده، لا يُمدح عليه في الحقيقة سواه، وقد عُلم أن الكمال إما قديمٌ، وإما حادثٌ، أتى بما يدل على أن كلا الكمالين له تعالى، بمعنى أن الأول: وصفُه، والثاني: فِعلُه، والدليلُ على ذلك العوالمُ؛ لقيام البرهان القطعيِّ على حدوثها من جهة تغيُّرِها الذي أَذِنت به التربيةُ المأخوذةُ من لفظِ الرَّبِّ، ومن جهة احتياجها إلى المخصِّص في اختصاصها ببعض ما تقبله من مقدارٍ وصفةٍ وغيرهما، وقد أشعر أيضًا بالاحتياج في المقادير والصِّفات، والأزمنة والأمكنة، مع قبولِ كلٍّ مقدارَ غيرِه وصفتَه وزمانَه ومكانَه، فلو وقع ذلك من غير فاعل، لزمَ الجمعُ بين متنافيين، وهو مساواة أحد الأمرين لصاحبه، ورُجحانُه عليه بلا سبب، وذلك معلومُ الاستحالة.
فإذن هذا الوصف، وهو:«رب العالمين» يؤذِنُ بحدوثِ جميعِ العوالِم من جهة المُضاف؛ لإشعاره بعموم التربية للعوالم المستلزمة للتغير في جميعها، وهو دليل على الحدوث والافتقار للمُحدِث، ومن جهة المضاف إليه؛ لإشعاره بسبب جمعيته وعمومه باختلاف أصناف العوالم وأنواعها وأجناسها، في مقاديرها وصفاتها وأزمنتها وأمكنتها وجهاتها، مع قبول مادة كلِّ واحدٍ منها لما حصل لغيره، وذلك يستلزِمُ حدوثَه وافتقارَه إلى المخصِّص.
ولما كان الإحداثُ والإيجاد موقوفين على كمال ألوهية الموجِد، واتصافه بوجوب الوجود والقِدَم والبقاءِ والقيام بالنفس، والمخالفة للحوادث، والوحدانية، والحياة، وعموم القدرة والإرادة لجميع الممكنات، وعموم العلم لجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات، لزم أن كلَّ حادثٍ يدلُّ