ثم إنه نادى فى القاهرة بأن أصحاب الدكاكين التى فى الشوارع يبيضونها ويزخرفونها بالدهان فحصل لأصحاب الدكاكين بسبب ذلك خلعة زائدة. وكان ينزل إلى بولاق فى ليالى سيدى اسماعيل الاينالى ويشق البحر فى مركب ومعه جماعة من العوام والمغانى على النداء والإجهار وتحرق فى الليل حراقة نفط فى بولاق وقد جاوز الحد فى اللهو وبهدل حرمة المملكة فى أيامه. وكان ينزل إلى قبة الأمير يشبك التى فى المطرية ثم يشق المدينة وقدامه "طبلين" و"زمرين" وجماعة كثيرة من العبيد يرمون بالنفط مكاحل هندية وكان ينقل عليه ركوب الأمراء المقدمين معه فما كان يركب معه فى غالب الأوقات إلا خاله الأمير قانصوه وقد خرج عن طور المملوك فى أفعاله. ثم إنه رسم للأمراء المقدمين بأن يضاف إلى كل أمير منهم ثلاثون مملوكا من الأجلاب يأخذون من إقطاعه، لكل مملوك عشرة آلاف درهم، وجعلوا على كل أمير كبير أربعين مملوكا، وجعلوا على كل أمير أربعين عشرة مماليك وعلى كل أمير عشرة خمسة مماليك، فحصل من ذلك الضرر الشامل للأمراء وصار المماليك يدخلون إلى موت الأمراء ويتبهدلون من مباشريهم ولا بقى لأحد من الأمراء عندهم حرمة.
ثم إن السلطان نادى فى القاهرة بأن الأمراء الذين كانوا قد اختفوا يظهروا ولهم الأمان، فظهر الأمير تانى بك الجمالى وكان مختفيا من حين ركب مع الأتابكى قانصوه خمسمائة.
فلما ظهر أخلع عليه واستقر أمير سلاح على عادته عوضا عن الأمير كرتباى الأحمر.
ثم إن السلطان أمر بالإفراج عن الأمير مصرباى من السجن بثغر الإسكندرية وكان الأمير مصرباى من عصبة الأمير آقبردى الدوادار ثم ظهر الأمير أبا يزيد الصغير والأمير قنبك أبو شامة وجماعة كبيرة ممن ركبوا مع الأمير آقبردى. فلما ظهروا وطلعوا إلى القلعة ورهج السلطان وعين الأمير مصرباى أمير أخور كبير وعين الأمير أبا يزيد الصغير دوادارا ثانيا وعين الأمير قنبك أبو شامة نائب القلعة. فلما بلغ الأمراء الذين على الأمير آقبردى بأن السلطان له عناية بالأمير آقبردى وجماعته فاستوزوا فى بعضهم وتغيرت خواطرهم على السلطان واستأنفت فتنة أخرى.
فلما كان يوم الخميس حادى عشر جمادى الأول من السنة المذكورة: وثب المماليك فوق القلعة على الأمراء الذين ظهروا من عصبة الأمير آقبردى فقتلوا الأمير أبا يزيد الصغير وقطعوه بالسيوف فنزلوا بجثته على حمار.