وهى السلطنة الثانية، فلما عاد الملك الناصر وجلس على سرير الملك أخلع على الأمير تغرى بردى واستقر به أتابكى العساكر بالديار المصرية وشرع فى مسك جماعة من مماليك أبيه الظاهرية.
وفى هذه السنة وهى سنة ثمان وثمانمائة: توفى أمير المؤمنين المتوكل على الله محمد ابن المعتضد بالله، توفى ليلة الثلاثاء ثامن عشرين رجب من السنة المذكورة، فكان مجموع خلافته من يوم خلعه وحبسه إلى أن مات نحو خمس وأربعين سنة، وقيل جاءه من صلبه أكثر من مائة ولد ما بين ذكر وإناث ومسقوط، وتولى الخلافة من أولاده خمسة وهم العباس وداود وسليمان وحمزة ويوسف، وقد تقدم ذلك عند ترجمة الخلفاء، ولما توفى المتوكل تولى ابنه العباس الخلافة وتلقب بالمستعين بالله.
ولما عاد الملك الناصر فرج إلى السلطنة هذه المرة، صار يقتل من مماليك أبيه جماعة كبيرة، وكان يذبح منهم بيده فى كل ليلة حسبما يختار من ذلك، حتى قيل إنه ذبح بيده نحو ألفين مملوك غير ما قتل من الأمراء وغيرهم من الناس، وجرى له مع مماليك أبيه أمور يطول شرحها عن هذا المختصر، وكان معذورا فى قتله لهم فإنه كان يسامح الواحد منهم المرة والمرتين والثالثة. ثم يعد رواية حتى كان يقول الملك المؤيد شيخ بعد موت الملك الناصر فرج ما صبر أحد كصبر الملك الناصر فرج على مماليك أبيه فإنه لم يقتل منهم أحدا حتى يكون قد عصى عليه المرة والمرتين والثالثة.
[ثم دخلت سنة تسع وثمانمائة]
فيها: ارتد الأمراء على الملك الناصر وعصوا عليه النواب، وصار حكمه ما يتجاوز إلى قطيا فى غالب الأمور ولا سيما عصى جكم العوصى بعد خروجه من السجن بثغر الإسكندرية، وبقى نائب حلب فخامر هناك وتسلطن بحلب وباسوا له الأرض فتلاشا أمر الملك الناصر إلى أن قتل جكم ولا يعرف من قتله، فإنه كان باغيا ولكل باغ مصرع فعند ذلك تراجع أمر الملك الناصر قليلا فمد يده فى قتل مماليك أبيه، وكان الأتابكى تغرى بردى يرجعه عن ذلك وهو لا يسمع له شيئا.
فلما استقر تغرى بردى نائب الشام وخرج من مصر أسرف الملك الناصر فى القتل حتى جاوز الحد فى ذلك.