بالإسكندرية دفن هناك، ثم بعد مدة نقل من هناك إلى دمشق ودفن فى تربته التى أنشأها فى دمشق وذلك فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة. وفى ذلك يقول الصلاح الصفدى.
إلى دمشق نقلوا تنكزا … فيالها من آية ظاهرة
فى جنة الدنيا له جثة … وروحه فى جنة الآخرة
وقوله فيه أيضا
فى نقل تنكز سر … أراده الله ربه
أتى به نحو أرض … يحبها وتحبه
[ثم دخلت سنة إحدى وأربعون وسبعمائة]
فيها: تزايدت عظمة الملك الناصر محمد وكثرت مماليكه حتى صار راتبه من اللحم فى كل يوم ستة وثلاثين ألف رطل، وبالغ فى مشترى المماليك، وهو أول من أخذ الشاش والقماش للعسكر والأقبية المفتوحة، وهو أول من رتب المواكب فى القصر على هذا الترتيب الحسن، ورتب وقوف الأمراء فى المواكب على قدر منازلهم، وكذلك أرباب الوظائف من المتعممين، وقد طالت أيامه فى السلطنة بخلاف من تقدمه من الملوك وصفا له الوقت وصار أكثر الأمراء والنواب مماليكا ولا يعلم لأحد من الملوك آثار مثله ومثل مماليكه حتى أنه تزايدت فى أيامه الديار المصرية والبلاد الشامية من العمائر مقدار نصفها من جوامع وقناطر وجسور وغير ذلك.
قال سيف الدين أبو بكر بن أسد فى تاريخه: وقفت فى التواريخ على سير الملوك المتقدمة فما رأيت لأحد من الملوك. ما أنفق للناصر محمد بن قلاوون فإنه خطب له فى أماكن لم يخطب فيها لأحد من الملوك قبله وكاتبه سائر ملوك الأرض من مسلم وكافر وهادوه وهابوه وخشوا من سطوته، وهذا لم تنفق لغيره من الملوك. وكان مسعودا فى حركاته محببا للناس وفيه يقول الصفى الحلى من قصيدة.
الناصر السلطان قد خضعت له … كل الملوك مشارقا ومغاربا
ملك يرى تعب المكارم راحة … ويعد راحات الفراغ متاعبا
يرجى مكارمه ويخشى بطشه … مثل الزمان مسالما ومحاربا
فإذا سطا ملا القلوب مهابة … وإذا سخا ملا العيون مواهبا