لكن الأمر الذى يدعو إلى الملاحظة حقا فى تاريخ هذه العلاقات أنه ابتداء سنة ٩٠٨ هـ والسلطنة المملوكية تسرف فى الحفاوة برسل آل عثمان حفاوة قلما قابلت بها سفراء آخرين وأرى فى ذلك مظهر فزع من ناحية المماليك من هذه القوة النامية التى يطرد ظهورها ومظهر ضعف من ناحية المماليك ومدارة هذا الضعف بهذا الملق الظاهر ولم تنقطع السفارات إما طلبا لشراء الأخشاب أو الحديد والبارود حتى أن السلطان العثمانى سنة ٩١٦ هـ رفض أخذ ثمن البضاعة وأرسلها هدية لمصر. وفى سنة ٩٢٠ هـ السلطان سليم يراسل سلطان مصر ويشير إلى قرب محاربة شاه إسماعيل، الصفوى ويطلب محالفة ضده ثم يبلغ السلطان خبر انتصاره على الشاه إسماعيل والانطباع الذى نخرج به من حولية ابن إياس أن التحول من الصداقة إلى العداوة ومن الحلف إلى الفتح كان تحولا مفاجئا وليست له جذور قديمة ولنبحث عن جذوره فى أحوال نواب المماليك ببلاد الشام وصراعاتهم على السلطة.
[مكانة ابن إياس بين مؤرخى مصر فى العصور الوسطى]
تقول الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف: حين قدم العرب إلى مصر فى بداية القرن الأول الهجرى "السابع الميلادى" فاتحين محررين لها من الروم بدأت مصر تفتح عينها على العروبة والإسلام وأخذت تندمج فى مجموعة الشعوب العربية الإسلامية.
وأنجبت مصر منذ أواخر القرن الثانى الهجرى "الثامن الميلادى" وأوائل القرن الثالث الهجرى "التاسع الميلادى" رجال أدب ودين ومؤرخين انتجوا بالعربية كما لو كانوا أبناءها، وكان علماء مصر أساتذة لعلماء أفريقية والأندلس بوجه خاص والمعروف أن المسلمين أقبلوا على كتابة تاريخهم إقبالا شديدا وكان للمؤلفات التاريخية نسبة مرتفعة من تراث الشعوب العربية الإسلامية. وقدم التاريخ الإسلامى أكبر ما يمكن من نتائج العلوم والفنون وسائر المعرفة كما ساعد على شدة التمسك بالتراث الحضارى للإسلام، وعلى إبقاء التراث القومى لمختلف الشعوب العربية الإسلامية حيا لا يستطيع الزمن مهما طال أن يبعد بين ماضى الأمة العربية والإسلامية وبين حاضرها.
وكان للدين الإسلامى أثر كبير فى نشأة علم التاريخ عند العرب وتطوره حتى فاق المسلمون فى هذا العالم غيرهم من الأمم. فالقرآن الكريم نبه الناس إلى التاريخ الماضى وإلى تاريخ الأنبياء والرسل.