فلما كان يوم الاثنين خامس عشرين ذى الحجة من السنة المذكورة وثب المماليك الأجلاب على السلطان بسبب النفقة وطلع الأتابكى أزبك وبقية الأمراء إلى القلعة وتقرر الحال مع السلطان بأن يعطى المماليك نفقة لكل مملوك خمسين أشرفيا فتراضوا على ذلك، وخمدت الفتنة ثم إن السلطان شكى وقال قد نفد ما فى الخزائن من المال ولم يبق بها شئ، ثم إن السلطان اشتور مع الأمراء بسبب ذلك فتقرر الحال مع السلطان والأمراء بأن يوزعوا هذه النفقة على المباشرين وأعيان الناس فندبوا لذلك المقر السيفى قانصوه خال السلطان الأمير الدوادار والقاضى ناصر الدين الصفدى فكتبوا قوائم ووزعوا ذلك على المباشرين وهم: القاضى كاتب السر والقاضى ناظر الجيش والقاضى ناظر الخاص والقاضى صلاح الدين بن الجيعان ومباشرون الأسطبل ومباشرون الزردخاناه حتى قضاة القضاة الأربعة وجماعة كثيرة من أولاد الناس وتجار الأسواق. ثم إن معلم المعلم ابن الجناب الزينى حسن بن الطولونى وزع ما جاء عليه من المغرم على جماعة البنائين والنجارين والمهندسين وكذلك فعل المحتسب ووزع ما جاء عليه على أعيان السيوفة من الرعايين وغيرهم، وكذلك وزعوا على طائفة اليهود والنصارى وكانت هذه المصادرة عامة على جميع الناس وحصل بذلك الضرر الشامل لأعيان الناس، والذى حصل فى أواخر هذه السنة من الحوادث لم يحصل من غيرها من السنين الماضية وقد اجتمع فيها الغلاء والفناء وأخذ أموال الناس بغير حق وجور المماليك فى الرعية ونهب أموالهم فى الوقعات وجور العربان فى البلاد وتأخر النيل عن الوفاء وحصل الاضطراب من كل جانب كما قيل فى المعنى:
كم زمان بكيت منه فلما … صرت فى غيره بكيت عليه
[ثم دخلت سنة أربع وتسعمائة]
فيها: أوفى النيل المبارك فى تاسع عشرين مسرى الموافق الرابع المحرم، فلما أوفى النيل نزل السلطان بعد العشاء وكسر السد، ولذلك سد قنطرة قد يدار فأصبح الناس ولم يشعروا إلا والماء قد عم الخلجان والبرك وبطل فرحة الناس بيوم الوفاء.
وفى أثناء ذلك: توجه السلطان إلى نحو جسر بنى منجا وكسره أيضا بنفسه. ثم إن السلطان صار ينزل إلى بركة الرطلى ويشق فيها فى مركب وأمر سكان البركة أن يوقدوا فى كل بيت وقدة فأقاموا على ذلك نحو عشرين يوما وكان الملك الناصر قصده أن ينزل فى يوم الوفاء ويحلق المقياس ويكسر السد كعادة السلاطين فمنعه مماليك أبيه فحنق