للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البحر، وظن أن الوقت قد صفا له فأخذ فى أسباب تقريب من قدم معه من حصن كيفا، وصار يعطيهم الوظائف السنية.

ثم أمر رءوس النواب أن تكون عطيتهم ملبسة بالذهب إذا وقفوا قدامه فى المواكب، وكان إذا سكر مرض الشموع قدامه ويضرب رءوسها بالسيف ويقول هذا "هكذا أفعل برءوس المماليك البحرية" وكان عنده خفة زائدة ورهج فى الأمور.

فعند ذلك نفرت منه قلوب الرعية. وكان قد أرسل إلى شجرة الدر زوجة أبيه الملك الصالح يهددها بالقتل ويستوعدها بكل سوء، فأرسلت شجرة الدر إلى الأمراء والمماليك البحرية تقول لهم "إن قتلتوا توران شاه، فعلىّ رضاكم بالمال".

فلما كان يوم الاثنين تاسع عشرين المحرم من سنة ثمان وأربعين وستمائة فجلس الملك المعظم توران شاه على السماط فتقدم إليه بعض المماليك البحرية وضربوه بالسيف فقطعوا أصابعه، فقام إلى البرج الخشب وأغلق عليه الباب فأطلقوا فيه النار فألقى بنفسه فى البحر وهو يقول خذوا ملككم، ودعونى أرجع إلى حصن كيفا ". وصار يسبح فى البحر والنشاب تأخذه من كل جانب وهو يصيح يا مسلمين ما فيكم من يعيننى، فقتلوه وهو فى البحر عائما فمات قتيلا حريقا غريقا وبقى السماط ممدودا على شاطئ البحر لا يجسر يتقرب إليه أحد من عظيم الاضطراب، وصار السلطان ملقى قتيلا على جانب البحر وأقام ثلاثة أيام لم يدفن.

فكانت مدة سلطنة الملك المعظم توران شاه نحو شهر ثم وقع الاتفاق من الأمراء على سلطنة شجرة الدر فسلطنوها، وهى أخر من تولى من جماعة بنى أيوب بمصر.

٩ - ذكر سلطنة شجرة الدر بالديار المصرية (١)

تسلطنت بعد قتل الملك المعظم توران شاه فى شهر صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة وأصلها من جوارى الملك الصالح نجم الدين أيوب اشتراها فى أيام أبيه الملك الكامل محمد، وحظيت عنده واستولدها ابنه خليل ثم اعتقها وتزوج بها.

وكانت معه فى البلاد الشامية مدة طويلة ثم قدمت معه إلى الديار المصرية.


(١) انظر المزيد فى: شذرات الذهب ٥/ ٢٦٨، مرآة الزمان ٨/ ٧٧٤ - ٧٧٥ و ٧٨٢ - ٧٨٣، الدر المنثور ٢٥٥، تراجم إسلامية ٦١، السلوك ١/ ٣٦١، الخطط ١/ ٢٣٦ - ٢٣٨، دول الإسلام ١٢٢/ ٢، بدائع الزهور ١/ ٨٩ - ٩٣.

<<  <   >  >>