تلك الأيام ليالى الوفاء حتى مضى من مسرى سبعة وعشرون يوما ثم أوفى بعد ذلك فى سابع عشرين مسرى وكسر فى ثامن عشرين مسرى وذلك يوم الاثنين ثانى عشرين ذى الحجة من سنة اثنتين وتسعمائة. فلما أوفى النيل فزاد عن الوفاء أربعة أصابع فمضى والى القاهرة وقت الصبح وكسر السد، وقيل إن الشيخ عبد القادر الدسطوفى هو الذى كسر السد قبل مجئ الوالى وكانت الحرب قائمة ولم يلتفت أحد إلى كسر السد ولا إلى الوفاء ولو لم يف النيل فى تلك السنة لحزنت مصر عن أخرها وهمت أهلها بالخلا مما وقع فى تلك السنة من الفتن والشرور وانتهى سعر القمح فى تلك الأيام إلى ستمائة درهم كل أردب وتشحطت سائر الغلال جميعها بسبب اضطراب البلاد وفتن العربان فى بعضهم وخرب فى هذه الحركة غالب بلاد الشرقية والغربية ونهبوا الجرون وحرقوا الغلال وصار العربان عرضين فبنى حرام من عرض الأمير قانصوه خال السلطان وبنى وائل وغزالة من عرض الأمير آقبردى، ولما أوفى النيل فى تلك السنة قال بعضهم فى المعنى:
أتطلب من زمانك ذا وفاء … وتنكر ذاك جهلا من بنيه
لقد عدم الوفاء به وإنى … لأعجب من وفاء النيل فيه
ثم إن النيل نزل فى تلك السنة بسرعة ولم يغلق تسعة عشر ذراعا وسرقت فى تلك السنة غالب البلاد لعدم عمارة الجسور، واستمرت الحرب ثائرة بين الفريقين وكان السلطان لما ركب الأتابكى قانصوه وانكسر واختفى سد باب السلسلة بالحجر المسفط وسد باب الميدان والباب الذى من جهة باب القرافة وصار الناس يدخلون إلى الأسطبل السلطانى من الباب الشامى واستمر الأمر على ذلك نحو شهرين ولما ركب الأمير آقبردى وظهر الأمراء الذين كانوا قد اختفوا كما تقدم، فلما طلعوا إلى القلعة فتحوا باب السلسلة وركبوا عليه مكحلة عظيمة فصاروا يرمون بها على من بمدرسة السلطان حسن حتى تسقفت حيطانها.
فلما طال الأمر على من كان يقاتل مع الأمير آقبردى فصاروا ينسحبون من عنده ويطلعون إلى القلعة فتلاشى أمره وظهر عليه العجز. فلما كان يوم الجمعة قرب المغرب جمع الأمير كرتباى الأحمر جميع المماليك الذين فى الطباق وكلهم ينزلون إلى تحت القلعة ورجعوا إلى عند مدرسة السلطان حسن. فلما بلغ الأمير آقبردى ذلك ركب بعد العشاء فى نفر قليل من العسكر وقد انفلوا من حوله وقت الحاجة فلما طلع الأمير آقبردى إلى الرملة لم يجد معه من الأمراء سوى الأمير آقباى نائب غزة فاتقع مع المماليك الذين نزلوا من قلعة الربع الذين