للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفقهاء وأكابر الصلحاء والزهاد حتى طائفة اليهود ومعهم التوراية وطائفة النصارى ومعهم الإنجيل، وخرجوا بالأطفال الذين فى الكتاتيب ومعهم المصاحف وخرجوا ببعض الأبقار والأغنام وخرج معهم السواد الأعظم من العوام وهم يستغيثون بالله ارحمنا، وحضر الخليفة المستكفى بالله سليمان إلى هناك، ولم ينزل السلطان الملك الظاهر فعز ذلك على الناس وقد تقدم أن الملك المؤيد شيخ نزل فى أيامه للاستسقاء ولبس جبة صوف أبيض فلم يرض الملك الظاهر على ذلك، ثم أحضروا هناك منبرا وخطب عليه قاضى القضاة شرف الدين بن يحيى المناوى خطبة الاستسقاء كما جرت العادة.

فلما أراد أن يحول رداءه وهو فى الخطبة كما جرت به العادة فسقط الرداء إلى الأرض فتضرر الناس من ذلك، ولم يعد من ذلك الاستسقاء شئ ونزل البحر عقيب ذلك. كما حكى عن بعض الصلحاء أنه خرج ليستسقى بالناس وكان بالسماء بعض سحاب وقت خروجه فلما خرج ودعا للناس اسمحت السماء وتقطع السحاب واشتد حر الشمس فخجل ذلك الصالح من الناس فقال بعضهم فى هذا المعنى قول مداعبة.

خرجنا لنستسقى بفضل دعائه … وقد كان سحب الغيم أن يلحو الأرضاء

فلما بدا يدعو تكشفت السماء … فما تم إلا والسحاب قد انقضا

فلما رجع الناس من الاستسقاء أشاعوا أن البحر زاد منبعا ولم يكن هذا الكلام له صحة ثم نزل البحر أصبعين فكسروا السد من غير وفاء فلم يجر الماء إلا قليلا ودخل عاليه إلى بركة الفيل من عند قنطرة عمر شاه، ثم نزل البحر بعد ذلك، ولم يزد شيئا فتسرقت البلاد فى تلك السنة وحصل للناس الضرر الشامل وسخطت الغلال وصار القمح يتزايد فى السعر فى كل يوم حتى انتهى من أربعة أشرفية إلى ستة أشرفية كل أردب وقيل سبعة أشرفية وعم الغلاء سائر البلاد وماتت أكثر البهائم والأشجار وعقب ذلك مات فيه خلق كثيرة.

وكان مبتدأ هذا الغلاء من شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة واستمر سعر القمح فى هذه التشويطة إلى سنة خمس وخمسين وثمانمائة وصارت الأمراء تنقل غلاتهم التى فى الشون إلى بيوتهم ومعهم المماليك بالسلاح خوفا من القوم أن ينهبوه، وصار العوام ينهبون الخبز من على الدكاكين فى بعض الأوقات وتزاحم الأكابر مثل أبو الخير بن النحاس وكيل بيت المال وغيره من الأعيان، وحصل للناس الضرر الشامل فى هذه الأيام وقد رثا بعض الشعراء الخبز فقال:

<<  <   >  >>