الشعبانى على الملك الظاهر جقمق وركب وطلع إلى الرملة فنزل السلطان إلى المقعد المطل على سوق الخيل وطلع الأتابكى قرقماش إلى الرملة وكان أكبر الأمراء مع السلطان فوقع فى ذلك فتنة عظيمة وقتل فيها جماعة من المماليك السلطانية.
فبينما الأتابكى قرقماش واقفا عند مدرسة السلطان حسن فعاينه بعض المماليك ورمى عليه بسهم نشاب فجاءه فى يده فتألم لذلك وهرب وانكسر وانفل من كان معه من العساكر فاستمر مختفيا أياما وأرسل يطلب من السلطان الأمان.
فلما ظهر وطلع إلى القلعة فقيد وأرسل إلى السجن بثغر الإسكندرية فأقام هناك مدة ثم إن السلطان أثبت على الأتابكى قرقماش أشياء توجب الكفر وحكم المالكى بذلك. ثم إن السلطان أرسل ضرب عنقه وهو فى السجن ثم إن السلطان أخلع على الأمير آقبغا التمرازى واستقر أتابك العساكر عوضا عن قرقماش الشعبانى واستقر أيضا نائب السلطنة بالديار المصرية وهو آخر من تولى نيابة السلطنة بمصر ثم يطلب هذه الوظيفة من يومئذ وكان نائب السلطنة يسكن بالقلعة ويحكم على الأمراء المقدمين ويخرج الإقطاعات للمباشرين من دون الثلاثين ألف إلى أقل من ذلك فبطل من يومئذ هذا للأمراء.
ثم جاءت الأخبار بأن تغرى بردى نائب حلب خرج على الطاعة وكذلك نائب الشام أينال الحكمى وأرسل إليهما السلطان تجريدة وانتصر عليهما، فعند ذلك استقر الأتابكى آقبغا التمرازى نائب الشام واستقر الأمير يشبك السودونى أتابك العساكر بمصر واضطربت أحوال الظاهر جقمق فى أول سلطنته إلى الغاية.
فيها هروب الملك العزيز يوسف وفيها وثب الأتابكى قرقماش الشعبانى عليه. وفيها عصيان نواب. ثم من بعد ذلك صفا له الوقت وطالت أيامه فى السلطنة وحسنت أوقاته ودام فى السلطنة إلى أن مات على فراشه، وكانت الدنيا فى أيامه هادئة من الفتن والتجاريد، وكان الملك الظاهر جقمق صاهر ابن عثمان ملك الروم وتزوج بإحدى بناته، وكان الملك الظاهر يعطى أمراء التركمان العطايا الجزيلة ويرضيهم بكل ما يمكن وكانت بلاد الشرق فى أيامه غزوا.
ومن الحوادث فى أيامه أن النيل توقف عن الزيادة عند ليالى الوفاء على أربعة أصابع وقيل ثلاثة وأقام على ذلك مدة أيام لم يزد شيئا، وخرج الناس للاستسقاء وتوجهوا إلى قرب الجبل الأحمر فى الصحراء، وخرج الناس قاطبة من القضاة والمشايخ وأكابر العلماء