للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصار يخذل أهل دمشق عن قتال تمرلنك حتى جرى ما جرى عليهم من ذلك، وأسر جماعة من النواب مثل شيخ المحمودى نائب طرابلس وغيره من النواب، ومن المماليك السلطانية جماعة كثيرة، وأسر من الرجال والنساء ما لا يحصى عددهم. فكانت مدة إقامته على دمشق إلى حين رحل عنها السلطان الملك الناصر فرج نحو ثمانين يوما منها مدة استيلائه على المدينة تسعة وعشرون مما حكى عن تمرلنك من حيلة ودهاء.

فمن ذلك أنه أول ما نزل على دمشق زار قبر أم حبيبة إحدى أزواج رسول الله وقال يا أهل دمشق ما لكم نظر فى هذا القبر، ما يبنوا عليه قبة؟ فأنا إن شاء الله ابنى عليه قبة، هذه من أمهات المؤمنين ومن حيله أنه كان كثيرا ما يذكر الله فى مجلسه ويستغفر مرات كثيرة ولا تزال السبحة فى يده وكان له ورد يقرأه كل يوم، وكل هذا من أنواع الحيل والرياء، كما قيل فى مشايخ الرياء والسمعة لبعضهم.

سجدة فى الحبر قد طبعت … اشبه شئ برأس مسمار

صاحبها لا يزال فى خجل … لأنها ضرب خارج الدار

وقيل إن تمرلنك لما أراد أن يرحل عن دمشق فجمعوا له أطفال المدينة ما بين من شهر إلى ابن خمس سنين، ممن أسرت أمهاتهم فركب تمرلنك وأتى نحوهم فوقف ساعة وهو ينظر إليهم، ثم أمر أن يساق عليهم بالخيل، فساقوا عليهم بالخيل حتى ماتوا أجمعين. ثم بعد ذلك لامه أصحابه على هذه الفعلة، فقال ما أخذتنى فيهم رحمة، وكان يقول: أنا غضب الله فى أرضه يسلطنى على من يشاء من خلقه.

فلما رحل تمرلنك فأمر بحرق مدينة دمشق حتى الجوامع والأسواق والقياصر والحمامات، وقد أصبحت بعد البهجة والسرور والنضارة والخيول أطلالا بالية ورسوما خالية قد خوت على عروشها واقفرت من زخرفها ونقوشها لا يرى فيها دابة ولا حيوان يهب سوى جثث قد انحرقت وصور قد تعفرت وأطفال قد أكلتهم الكلاب وآخرون قد اكتسوا ثوبا من الذباب.

وكانت هذه المصيبة أمرا مقدرا من الله تعالى بذنوب سلفت من الخلائق والله عزيز ذو انتقام، كما قيل فى المعنى لبعضهم.

أن ترمك الأقدار فى أزمة … أوجبها اجرامك السالفة

فادع إلى ربك فى كشفها … ليس لها من دونه كاشفة

<<  <   >  >>