ولما رحل تمرلنك عن دمشق صار ما بقى من الناس ومن عسكر السلطان يجتمعون ويترافقون جماعة ويسافرون إلى نحو الديار المصرية. فلما يخرجوا من دمشق يلاقيهم العربان والعشير فيجرى عليهم من العربان والعشير ما لا يجرى عليهم من تمرلنك من أخذ الأموال وقتل النفوس والسب الفاحش وقد ذهبت حرمة المملكة وصاروا يعرون مماليك السلطان، ولم يتركوا لهم غير اللباس فى وسطهم وكان أكثرهم يجئ من البحر المالح من على السواحل حتى يدخلوا إلى مصر، فكان السلطان يرسم لكل مملوك من المماليك السلطانية بجامكية شهرين وألف درهم إنعاما لترقيع أحوالهم.
ثم إن السلطان رسم للأمير يلبغا السالمى استادار العالية بأن يأخذ من بلاد الأمراء والجند عن العبرة على كل ألف دينار خمسمائة درهم، وأن يأخذ من أملاك القاهرة من كل ملك أجرة شهر واحد. وعن الرزق على كل فدان عشرة دراهم، وعلى البساتين على كل فدان مائة درهم.؟ ورسم بأن يأخذ من أموال التجار والأيتام على سبيل الفرض، فصاروا يكبسون حواصل التجار والأيتام أصحاب الأموال، فإن كان صاحب الحاصل موجودا فمهما وجدوا فيه من الذهب العين يتركون للتاجر النصف وإن كان صاحب الحاصل غائبا فيفتحوا مخزنه ويأخذوا جميع ما فيه من الذهب العين وغيره.
ورسم بأن يؤخذ من أوقاف الجوامع والمدارس والبيمارستان المنصورى أجرة شهر واحد، فحصل للناس بذلك الضرر الشامل، وكثر الدعاء على السلطان بسبب ذلك. وكان السلطان قصده فى تحصيل المال لإقامة العسكر حتى يعود إلى قتال تمرلنك فإنهم أشاعوا أن تمرلنك قاصد الديار المصرية حتى هم أهل مصر بالخلاء إلى نحو بلاد الصعيد.
ثم إن السلطان أمر بإحضار عربان البحيرة فجمعوا منهم ستة آلاف إنسان وإبرام شيخ العرب أن يقر بإحضار ألفين وخمسمائة إنسان، وحضر من عربان بنى وائل ألفا إنسان فنفق عليهم السلطان نفقة السفر، وكان المتكلف فى جمع الأموال الأمير يلبغا السالمى أمير استادار فتكلموا فى حقه بأنه أخذ فى هذه الحركة جملة مال، فقبض عليه السلطان وصادره وعزله، واستقر بالمقر السعيدى إبراهيم بن غراب استادار العالية مع ما بيده من الواردة ونظر الجيوش المنصورة والخواص الشريفة. ثم تسلم يلبغا السالمى والشهابى أحمد ابن قطيبة، فعاقب يلبغا السالمى واستخلص منه الأموال التى جمعها فى هذه الحركة ثم أفرج عن ابن قطيبة وتوجه إلى بيته.