للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففرق تمرلنك أوراقا على أمرائه بأسماء الخطط والحارات، وكان تمرلنك فى مدة استيلائه على دمشق يعد النار بالليل على رءوس الجبال فى أماكن عديدة حتى يرعب قلوب الناس بذلك وأحرق عدة بيوت التى كانت خارج السور فى مدة المحاصرة.

فلما فرق تلك الأوراق التى بأسماء الحارات على أمرائه فنزل كل أمير من أمرائه فى حارة من الحارات وطلب سكان ذلك الخط، فكان الرجل يقام على باب داره فى الحسن هيئة وهو عريان مكشوف الرأس ويطالب بالمال الثقيل الذى لا يقدر على بعضه فيخرج جميع ما فى داره من قماش ونحاس وأثاث البيت ونسائه وبناته، فتوطأ بين يديه وهو يشاهد ويفض أبكاره وبلاطه بولده، وهو يرى ذلك فإذا قضوا من الوطء أوطارهم أوجعوهم ضربا هذا وصاحب البيت يضرب على بابه وقد تفننوا فى أنواع العذاب تفنينا حتى كان أحدهم يشد رأس الرجل بحبل ثم يلوونه ليا عنيفا حتى يغوص الحبل فى رأسه، ويؤخذ من تحت إبطيه ويربط به ابهام يديه من ورائه، ويلقى على ظهره ويقيم بخرقة فيها رماد ساخن وبعضهم يعلق بإبهام رجليه فى شقق البيت وتوقد لحيته النار بالقرب من وجهه حتى يموت من الغم.

وصاروا يفعلون من هذه الأنواع أشياء يشيب عند سماعها النواصى ويذهب منها العقول فأقاموا على ذلك تسعة عشر يوما آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب فهلك فى هذه المدة من الناس ما لا يحصى عددهم مشاة بأيديهم سيوف مسللة، فنهبوا ما بقى فى البلد من قماش وأثاث وأسروا الرجال والنساء، وألقوا الأطفال الرضع فى الطرقات تحت أرجل الخيل، وصاروا يدخلون إلى البيوت فيأخذوا جميع ما فيها، ويسوقوا الرجال والنساء وهم مصفدين فى الحبال لا يدرون إلى أين يمضون بهم ثم يطرحون فى البيت النار حتى لقد صار البلد يرمى بشرر كالقصر وحرقوا الجوامع والمساجد حتى جامع بنى أمية الذى كان من جملة عجائب الدنيا، فاحترق غالبه وحرقوا دار السعادة التى بدمشق وغالب قلعتها، واستمر ذلك من يوم الأربعاء إلى يوم الخميس.

فلما كان يوم الجمعة ثانى شهر شعبان رحل تمرلنك عن دمشق بعد ما فعل من هذه الأخبار الشنيعة كما تقدم، ثم إنه أسر أعيان الناس من دمشق، وأسر من بقى هناك من أعيان الديار المصرية مثل قاضى القضاة الشافعى صدر الدين المناوى وغيرهم من أكابر القضاة العلماء والأعيان، وأسر القاضى ابن مفلح الحموى الحنبلى الذى كان سببا لجمع الأموال،

<<  <   >  >>