للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبار مصر وأحوالها وأطلعه على مبلغ قوتها وأسرار دفاعها، وحدثه عما يسودها من الاضطراب والضعف وقصور الأهبة والتسليح. ثم يقول: فعندئذ طمعت آمال ابن عثمان بأن يملك مصر، والله تعالى غالب أمره، وهو مما يدلى بأن المجتمع القاهرى كان يشعر بدنو النكبة وانقضاضها.

كانت حوادث الفتح العثمانى آخر ما دون قلم ابن إياس، فهو يصل فى روايته حتى خاتمة سنة ٩٢٨ هـ - ١٥٢٢ م بعد الفتح بنحو ستة أعوام. ونحن نعرف أن المؤرخ توفى بعد ذلك بنحو عامين فى سنة ٩٣٠ هـ، ورواية ابن إياس عن الفتح العثمانى هى كما قدمنا أهم وأنفس ما فى أثره، وإن كان بيانه لم يسبغ عليها كل ما يجب من دقة وقوة. فهو يترك لنا من هذه الحوادث الشهيرة الحاسمة فى تاريخ مصر وتاريخ الإسلام سجلا يوميا مسهبا، يستند إلى تحقيق المعاصرة والمشاهدة وهو لا يمهد فيه إلى الحوادث ولا يعنى بربطها، بل يدونها مرسلة كما وقعت، ويحصى آثارها إحصاء من رأى وسمع.

ويضيف الأستاذ محمد عبد الله عنان فى ندوته فى الجمعية التاريخية عن ابن إياس والعصر العثمانى فيقول:

وما كان لابن إياس أن يمهد أو يكثر التعليق، فى رواية انقلاب مفاجئ صعقت مصر لحوادثه السريعة المدهشة، وقضت من بعده حينا بين التصديق والتكذيب، والرجاء واليأس.

وكل ما هنالك أن ابن إياس يطلق العنان لشعوره وعواطفه، بالاستناد إلى الحوادث دائما.

فنراه يحمل على السفاكين والظلمة، فى عبارات شديدة، وأحيانا مؤثرة، ويغتبط بمصرعهم، ويعنى بالافاضة فى سرد فظائع الترك وجرائم الفاتح، ويشيد ببطولة طومان باى، أخر الزعماء المدافعين عن استقلال مصر ضد الغزاة، ويبكى مصرعه ومصرع أعوانه وجنده، ويرسل عبارات التأثر والسخط، أو الغضب أو الاشفاق كلما عن له ذلك. على أن قصور بيانه، كثيرا ما يعجزه عن أن يسبغ على هذه البوادر النفسية كل ما يجب من القوة والوضوح. وهذا القصور فى البيان، ينتقص كثيرا، من قيمة الرواية التى تركها لنا ابن إياس عن حوادث الفتح العثمانى وهذا بعكس ما نراه فى رواية فرانتزا، عنّ فظائع الترك فى قسطنطينية، من قوة البيان وروعة التصوير. والحقيقة أن ابن إياس كان بحاجة إلى بيان كبيان جيبون، ليستطيع إخراج الصور التى يقدمها إلينا، فى أثوابها الرائعة، وليصف لنا فظائع الغزاة فى القاهرة، وما جنوا على الأنفس والأموال والنظم، كما وصف جيبون بقلمه

<<  <   >  >>