للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلائل التى سبقت الفتح العثمانى، ثم حوادث الفتح ذاته، ثم الأعوام القلائل التى تلته، حتى وفاة المؤلف فى سنة ٩٣٠ هـ - ١٥٢٣ م. ففى هذا النطاق تبدو أهمية مجهود ابن إياس التاريخى، ولا سيما على ضوء ما ظفر به البحث الحديث من نصوص جديدة، مكملة لهذا القسم الأخير من تاريخ ابن إياس المسمى "بدائع الزهور فى وقائع الدهور" وكانت ساقطة فى النص المختصر الذى نشرته مطبعة بولاق من تاريخه. وتشمل هذه الفترة التى كانت ساقطة من تاريخ ابن إياس، حوادث خمس عشرة سنة من سنة ٩٠٦ هـ إلى آخر سنة ٩٢١ هـ (سنة ١٥٠٠ م - ١٥١٦ م) وهى مدة سلطنة السلطان الغورى آخر ملوك مصر المستقلة.

وفى هذا النص الجديد الذى ظهر من تاريخ ابن إياس والذى نشرته جمعية المستشرقين الألمانية فى مجلد ضخم، يتناول ابن إياس عصر السلطان الغورى، منذ بدايته باسهاب ويدون حوادثه شهرا فشهرا ويوما فيوما تقريبا، ويتحدث عن كل ما يتعلق بالسياسة والحرب، والبلاط والحكومة والأمن والقضاء والشئون المالية والاقتصادية، ويتتبع بالأخص علائق البلاط القاهرى بالبلاط العثمانى، ويبدو جليا من روايته، أن بلاط القاهرة كان يشعر بأن خطر الفتح التركى لمصر، غدا قريب الانقضاض ويصانع بلاط قسطنطينية ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

وكان سلطان الترك سليم الأول من جانبه يخادع سلطان مصر ويهاديه ويراسله، على أن بلاط القاهرة لم يخدع ولم يطمئن، بل كان الغورى دائب الأهبة والاستعداد. ولكن الانحلال كان يسود شئون مصر يومئذ. وكانت الثورات الداخلية تفت فى نظمها وأهبتها، وكان الفساد يقضم أسس نظمها العامة سواء فى الإدارة أو القضاء أو تنظيم الدفاع عن البلاد.

أجل لقد كانت حكومة السلاطين بعد عصور طويلة من المجد والسلم والرخاء، قد شاخت يومئذ، وانحدرت إلى نوع من الفتور والدعة وذلك بالرغم مما كان يساورها من التوجس والخوف من خطر انسياب تلك القوة الإسلامية الجديدة الصاعدة الجارفة - قوة الدولة العثمانية، وكانت الدولة العثمانية منذ فتح قسطنطينية الذى كان مسرحا لتجارب سلاح المدفعية الجديد، تعنى بتزويد جيوشها بهذا السلاح المدمر بصورة تضمن لها التفوق على أية قوة خصيمة ولم يكن باستطاعة حكومة السلاطين أن تجاريها فى تلك الأهبة العسكرية العظيمة. ويتحدث ابن إياس عن مقدمات الفتح، ويقص علينا كيف أن أميرا مصريا من الأمراء المماليك، نقم على السلطان وفر إلى القسطنطينية، ونقل إلى سليم الأول

<<  <   >  >>