للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما تسلطن الملك الصالح عظمت شجرة الدر فى دولة أستاذها الملك الصالح، وصار إليها غالب تدبير أمور الديار المصرية فى حياة أستاذها الملك الصالح وبعد وفاته. وكانت ذات عقل وحزم ورأى ومعرفة بأحوال المملكة فتسلطنت لحسن سيرتها وجودة تدبيرها، [وكان يعاونها] (١) الأمير عز الدين أيبك التركمانى أتابك العساكر ومشاركها فى أحوال المملكة، وصار يخطب باسم شجرة الدر على منابر مصر وأعمالها.

وكان الخطباء يقولون بعد الدعاء للخليفة "واحفظ اللهم الجهة الصالحية، ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين [ذات الحجاب الجليل، والستر الجميل] والدة المرحوم خليل" فأقامت على ذلك مدة ثلاثة أشهر فساست الرعية فى مدة سلطنتها أحسن سياسة وسارت فيهم سيرة حسنة إلى أن أبدى بها خلع نفسها من السلطنة باختيارها.

وقيل: إن الخليفة أرسل من بغداد إلى الأمراء الذين كانوا بمصر يقول لهم:

إعلمونا إن كان ما بقى فى مصر عندكم من الرجال من يصلح للسلطنة، فنحن نرسل إليكم من يصلح لها، أما سمعتم الحديث عن رسول الله أنه قال: "لا ينكح قوم ولوا أمرهم امرأة" (٢) وأنكر عليهم بسبب ذلك غاية الإنكار وقد قال بعضهم فى المعنى.

النساء ناقصات عقل ودين … ما رأينا لهن رأيا سنيا

ولأجل الكمال لم يجعل الله … تعالى من النساء نبيا

فلما بلغها ذلك خلعت نفسها من السلطنة وتولى أيبك التركمانى ثم مشى الأمراء بينهما فتزوج أيبك شجرة الدر، وكان أيبك لا يتصرف فى شئ من أمور المملكة إلا برأى شجرة الدر، وكانت ذات شهامة زائدة وكانت تركية الجنس شديدة الغيرة صعبة الخلق فتولى أيبك السلطنة وكان مع شجرة الدر فى غاية الضنك.


(١) إضافة من عندنا للسياق مع المعنى.
(٢) هناك شك فى هذا الحديث.

<<  <   >  >>