تحديد ساعة الرحيل ووسيلته ويصف الأزياء والأشكال، بل يشير أحيانا إلى انطباع الناس او انطباع البلاط. فقد وصف رسول البنادقة إلى مصر سنة ٩١٧ هـ بأنه رجل شيخ بذقن بيضاء وهو جسيم وعليه وقار. كما وصف رسل الشاه إسماعيل الذين حضروا إلى مصر فى سنة ٩١٣ هـ وأن على رؤوسهم طراطين حمر ليس عليهم رونق، بل هو يقارن بين رسل إيران ورسل العثمانيين بين غلظة هؤلاء ورقة أولئك وتلطفهم، بل تمضى به الدقة فى الوصف إلى أبعد من ذلك فيسجل انطباع الناس أنفسهم، فقد عرض لرسول الشاه إسماعيل وجماعته وأنه فى غاية الغلاسة.
وإن دل هذا على شئ فإنما يدل على أن ابن إياس كان مقربا من بلاط السلطان وإن لم يتول وظائفه وأنه يستقى المعلومات من مصادرها الأصلية من ديوان الإنشاء أو رجال القصر أنفسهم، الأمر الذى يعطى روايته قيمة تاريخية عظيمة ويدعونا بحق إلى أن نمعن النظر فى حولية ابن إياس فاحصين مدققين، ناحية أخرى تنعكس صورتها بعمق من رواية ابن إياس وهى المكانة الدولية الرفيعة التى ظلت مصر تحتلها فى العالم الإسلامى حتى الفتح العثمانى فتتجه إليها أبصار المسلمين تطلب المشورة حينا أو النجدة حينا أخر.
يصور ابن إياس هذه المكانة من خلال روايته عن الرسل إلى مصر ويصدر تعليقات قيمة جدا تدل على ثقافته الواسعة ومعرفته العميقة بالعلاقات الدولية وباتجاهات السياسة المصرية رواية رجل ذواقه لا يروى الخبر لمجرد الرواية إنما يرويه عن علم وخبرة.
لهذا حرصت على إجراء توزيع جغرافى يصور دائرة العلاقات الدولية للمماليك عن طريق إحصاء للسفراء الوافدين أو الصادرين بل اقتبست من الحولية نصا مهما جدا يصور مكانة الدولة فى عصر ابن إياس فهو يقول فى أحداث سنة ٩١٧ هـ.
ومن العجائب أنه فى هذا الشهر اجتمع عند السلطان نحو من أربعة عشر قاصدا "رسولا" وكل قاصد من عند ملك، قاصد شاه إسماعيل الصفوى - قاصد ملك الكريج - قاصد ابن رمضان أمير التركمان - قاصد ابن عثمان - قاصد يوسف الصوفى - قاصد صاحب تونس - قاصد من مكة - قاصد الملك محمود - قاصد ابن درغل أمير التركمان - قاصد ملك الفرنج الفرانسة - قاصد البنادقة.