للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والواقع فاللغة التى كتب بها ابن إياس لغة سهلة وبسيطة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى وهذه اللغة كانت شائعة بين مؤرخى العصر المملوكى، كما أن لغة ابن إياس كانت تحف بالكثير من الألفاظ التى لا تضمها معاجم اللغة فضلا عن وجود عدد كبير من الألفاظ والمصطلحات الأجنبية وبخاصة الألفاظ والمصطلحات التركية التى لا تزال اللهجة المصرية المعاصرة تضم عددا كبيرا منها، كالبعثات الدبلوماسية لدولة سلاطين المماليك كما وصفها ابن إياس يقول الأستاذ الدكتور حسن أحمد محمود: إن أسلوب المؤرخ مرآة صادقة تعكس ثقافته وانفعاله بعصره بل يكشف عن أصالته وصدقه أو ضحالته وزيغه. فإلى أى حد كان مؤرخنا ابن إياس أصيلا وصادقا؟

من هذا المنطلق نظرنا فيما نقله ابن إياس عن السفارات المتبادلة بين مصر ودول العالم الأخرى لعلنا نستطيع أن نلقى مزيدا من الضوء على شخصية المؤرخ العظيم ابن إياس.

وأول ما نلاحظه ذلك الإلتزام الدقيق بالأمانة فى النقل والرواية وهذا ما اسميه بالانضباط التاريخى وتحرى الخبر إلى قاعه وتتبعه إلى جميع تفاصيله وهو سعى حقيقى إلى الكشف عن الحقيقة كاملة فى كثير من الأناة والصبر وكأنه مراسل صحفى بآلة تصوير يصور كل شئ، فهو إذا أشار إلى حضور القصاد أعنى الرسل ذكر موعد حضورهم باليوم والشهر والسنة بل فى أغلب الأحيان يذكر أسماء الوافدين وألقابهم ويذكر وسيلة حضورهم بالبر أو البحر ويصف طريقهم إلى القاهرة وموكبهم واستقبال السلطان لهم والحفاوة بهم ويصف بالتفصيل الهدايا التى يحملونها كما يصف خلع السلطان وهداياه وأنواعها وطريقة توديعهم للسفر حتى عودتهم لبلادهم، بل يحدد المهمة التى جاء الوفد من أجلها وهل صادفت نجاحا أو إخفاقا.

وهو مثلا يتحدث عن وفد الحبشة سنة ٨١٦ هـ لتولية أحد البطاركة ووفد البنادقة سنة ٩١٧ هـ لفتح كنيسة القيامة أمام الأفرنج ثم وفد أهل الأندلس لدفع الضغط عن غرناطة وفك حصارها ووفد الشاه إسماعيل الصفوى لإزالة التوتر مع سلاطين مصر. ووفد قبرص الذى جاء مستنجدا ووفد تيمور لنك سنة ٨٠٣ هـ لتبادل الأسرى، ووفد بغداد مستنجدا من الشاه إسماعيل ووفد الهند الذى يطلب النجدة ضد البرتغال سنة ٩١٦ هـ الأمر الذى يدل على أن سلاطين المماليك بلغوا الغاية من الدبلوماسية، بل يمضى ابن إياس أبعد من هذا فى تحرى الدقة، فإذا أرسلت مصر سفارة إلى بلد أخر روى ابن إياس الخبر بطريقته المعهودة فى

<<  <   >  >>