للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الحوادث فى أيامه: جاء فناء عظيم بمصر حتى قيل: كان يخرج من القاهرة فى كل يوم نحو أربعة وعشرين ألف جنازة فضج الناس من ذلك فرفعه الله تعالى بالطف فى ليلة واحدة وذلك فى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.

ومن الحوادث فى أيامه: أن السلطان جرد إلى آمد وتوجه إليها بنفسه هو والأمراء والعسكر قاطبة، وكان صحبته أمير المؤمنين المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة، وكان سبب خروج الملك الأشرف برسباى إلى آمد لأنه بلغه أن قرايلك أظهر الطغيان وقصد أن يزحف على بلاد السلطان فخرج إليه الأشرف. فلما وصل إلى آمد حاصر قلعتها أياما فلم يقدر عليها وتغلب عليه العسكر هناك، فخشى أن يقوم هناك فتنة فمشوا بينه وبين قرايلك بالصلح فاصطلحا، فعند ذلك رجع الأشرف إلى الديار المصرية وطلع إلى القلعة فى موكب عظيم، وحملت القبة والطير على رأسه وذلك فى سنة ست وثلاثين وثمانمائة.

ولما عاد الأشرف من آمد عظم أمره واستكثر من مشترى المماليك حتى قيل بلغت عدة مماليكه خمسة آلاف مملوك واستمر فى المملكة إلى أن مات على فراشه. قيل جاء فى آخر دولته فضل بابى فمرض الأشرف عقيبه وسلسل فى المرض وحصل له ما حصل وخف عقله من الضعف، فأمر بتوسيط الحكماء فوسط الرئيس خضر وابن العفيف. ثم إنه أمر بنفى الكلاب إلى بر الجيزة ورسم لكل من جاء بكلب يأخذ له نصف فضة فجمع منهم عدة كلاب ونفاهم إلى بر الجيزة.

ثم إنه رسم أن فلاحا لا يلبس زنطا ونادى بذلك، ثم إنه رسم أن المرأة لا تخرج من بيتها فكانت الغاسلة إذا خرجت للموتى تأخذ من المحتسب ورقة وتجعلها فى رأسها.

واستمر الأمر على ذلك حتى توفى الأشرف برسباى فى يوم السبت بعد العصر ودفن فى يوم أحد ثالث عشر ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ودفن فى تربته التى فى الصحراء فكثر عليه الأسى والحزن من الناس قاطبة فكان كما قيل.

المرء كالظل ولا بد أن … يزول ذاك الظل بعد امتداد

فكانت مدة سلطنته بالديار المصرية ستة عشرة سنة وثمانية أشهر وستة أيام، وكان ملكا جليلا معظما مبجلا فى موكبه، وكان رجلا طويل القامة قبيح الوجه، أبيض اللحية أبيض اللون عربى الوجه، مهابا عليه وقار وحشمة مدبرا بشوشا للرعية لين الجانب، وكان محبا لجمع الأموال محبا للعلماء والفقهاء منقادا للشريعة. ومما أنشأه فى أيامه هى المدرسة

<<  <   >  >>