حاجب الحجاب وأخلع على الأمير أزبك المحمدى واستقر رأس نوبة النواب وأخلع على الأمير تانى بك البجاسى واستقر به نائب الشام وأخلع على مملوكه جانى بك واستقر به دوادارا ثانيا وعظم أمر جانى بك فى دولة انشاده إلى الغاية وهو صاحب المدرسة التى بالقرب من المنجبية وله بر ومعروف على جهات الصدقات، ومات فى أثناء دولة أستاذه الأشرف، وخلع على التاج واستقر به والى القاهرة، فهذا كان ترتيب الأمراء أرباب الوظائف فى صدر دولته، ثم انقلب من بعد ذلك الوظائف إلى جماعة كثيرة من الأمراء وأنعم بتقادم ألوف على جماعة كبيرة من الأمراء فى أيامه، وأخلع على القاضى عبد الباسط واستقر به ناظر الجيوش المنصورة مع ما بيده من الوظائف السنية ورق أمر القاضى عبد الباسط فى دولة الأشرف برسباى، وصار صاحب الحل والعقد فى أيامه حتى أطلق عليه عظيم الدولة وصار مملوكه جانى بك أستادار العالية فى دولة الأشرف برسباى واستقر بجماعة كبيرة من المباشرين كل واحد فى وظيفة من الوظائف وكذلك القضاة الأربعة وتم أمره فى المملكة وطالت أيامه فى السلطنة وحسنت أوقاته بها وراقت الدنيا فى أيامه من الفتن وخمدت الحروب التى كانت قائمة بالديار المصرية.
ومن الحوادث اللطيفة فى أيامه: أن النيل المبارك أوفى فى ثامن عشر أبيب من شهور القبط وذلك فى سنة ست وعشرين وثمانمائة وهذا لم يسمع بمثله فيما تقدم من السنين الماضية، وقد قال بعض الشعراء فى المعنى.
لما وفا بابيب عاجل نيلنا … عم البلاد وللروانى طفقا
تسروا القلوع وبشروا بوفائه … فالراية البيضاء عليه بالوفا
ومن الحوادث فى أيامه: أن الأتابكى جانى بك الصوفى هرب من السجن بثغر الإسكندرية وجرى بسببه على الناس ما لا خير فيه وخربت بسبب ذلك دور من أعيان الناس.
ثم إن جانى بك الصوفى ظهر فى بلاد الشرق وأقام هناك مدة، ثم إن جماعة من التركمان قطعوا رأسه وأرسلوها إلى القاهرة وطافوا به وعلقوه على باب زويلة ثلاثة أيام.
ومن الحوادث فى أيامه: أنه جرد العساكر إلى مدينة قبرص فأعطاه الله النصر وفتحها وأسر ملكها وكان يوم دخولهم إلى القاهرة يوما مشهودا وأدخلوا الفرنج وهم فى جنازير وملكهم راكبا وعليه آلة الحرب وذلك فى سنة تسع وعشرين وثمانمائة وإلى الآن جردة ملك الفرنج معلقة فى المدرسة الأشرفية التى بالقرب من باب الرهومة.