للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهد فرانتزا سائر حوادث الحصار التركى للقسطنطينية، وهو يومئذ وزير لقسطنطين باليولوجوس آخر القياصرة، وشهد دخول الجند الظافرين عاصمة القياصرة، التى أباحها لهم السلطان الفاتح محمد الثانى، ثلاثة أيام كاملة، ووعدهم بأن الغنائم كلها ستكون من نصيبهم وأنه يهبهم سائر الأسرى وكنوز المال والجمال، كما شهد ما ارتكبوه خلال ذلك، من أعمال السفك والاغتصاب والتدمير وشنيع الاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض ودون ذلك كله فى مذكراته.

وسقط فرانتزا وأسرته أسرى فى أيدى الغزاة ولكنه تمكن بعدئذ من الفرار إلى المورة تاركا زوجته وأولاده رهن الإسار. ثم لجأ فى أواخر حياته إلى دير طار شنيوتس فى جزيرة كورفو، وهنالك كتب تاريخه الشهير عن آل باليولوج أخر الأسر الإمبراطورية البيزنطية من سنة ١٢٥٨ م إلى سنة ١٤٧٦ م وضمنه سائر فظائع الفتح العثمانى، فى صور تنفطر لها الأفئدة روعا وتأثرا. ثم توفى سنة ١٤٧٧ هـ وقد جاوز الخامسة والسبعين.

وما زالت رواية فرانتزا حتى يومنا أعظم وأوثق مصدر يرجع إليه عن حوادث الفتح العثمانى المروعة لعاصمة الدولة الشرقية.

وشهد مؤرخنا ابن إياس حوادث الفتح العثمانى لمصر، بعد أن اجتاحت الجيوش العثمانية الشام وفلسطين، وشهد القسم الأخير من المأساة عند دخولهم القاهرة، وما ارتكبوه فيها من فظائع السفك والتقتيل والتخريب، ودون لنا عنها فى تاريخه صورا لا تقل فى روعتها عما دونه لنا فرانتزا.

كان ابن إياس خاتمة هذه المدرسة المصرية التاريخية الزاهرة التى افتتحها المقريزى أعظم أساتذتها بخططه وآثاره الخالدة، والتى برز فيها أبو المحاسن بن تغرى بردى والسخاوى وبدر الدين العينى، ولكن ابن إياس مع اقتفائه لتقاليد هذه المدرسة الزاهرة، فى التوفر على كتابة تاريخ مصر، لم يوهب كثيرا من كفايتها الباهرة، سواء من حيث الطرافة أو الإفاضة أو البيان. ولو لم يقدر لابن إياس أن يشهد حوادث الفتح العثمانى، وأن يدونها بإسهاب وإفاضة، لما كان لأثره عن تاريخ مصر، كبير قيمة أو أهمية. ولكن رواية ابن إياس عن الفتح العثمانى، وهى ثمرة المتابعة والمشاهدة الشخصية تسبغ على أثره قيمة كبرى.

والحقيقة أن مجهود ابن إياس التاريخى، يتركز قبل كل شئ فى الفترة التى عاصرها، والتى يعنى عناية خاصة بالاحاطة بتدوين حوادثها، ولا سيما حوادث الأعوام

<<  <   >  >>