وقلت عنه العساكر فعند ذلك خشى نعير على نفسه من سطوة السلطان فأرسل نعير عبدا من عبيده إلى عند منطاش وكان منطاش قد تزوج فى هذه المدة بإحدى بنات نعير بن خيار فلما حضر إليه عبد نعير أحس منطاش بالشر، وكان راكبا على هجين فنزل عنه وركب فرسا، فجاء العبد ومسك لجام فرسه وقال له: كلم الأمير نعير. فقال منطاش: وما يعمل بى نعير؟ فتكاثر عليه العبيد ومسكوه وأنزلوه عن فرسه غضبا وأخذوا سيفه من وسطه.
فقال منطاش دعونى حتى أبول وكان مع منطاش كزلك صغير، فأخذه وضرب به نفسه فى أربعة مواضع فغشى عليه، فلما أفاق وحضر بين يدى نعير فسلمه إلى قاصد نائب حلب وأرسل معه نحو أربعمائة فارس من العرب حتى وصلوا به إلى حلب، فكان يوم دخوله إلى حلب يوما مشهودا فطلع إلى قلعة حلب وسجن بها وكتب بذلك محضرا بقضاة حلب وأحضره كمشبغا المذكور ومملوك نائب حلب إلى عند السلطان فأخلع عليه قبا بوجهين مطرزين ذهب عريض ورسم السلطان للأمراء أن يلبسه كل واحد ثم إن السلطان نادى الزينة ودقت البشائر سبعة أيام.
ثم إن السلطان أرسل الأمير طولو بن على شاد ليحضر منطاشا من حلب. فلما وصل إلى حلب تسلم منطاشا من السجن وعصره وقرره على الأموال الذى نهبها من البلاد، فلم يقر بشئ، فقطع رأسه وجعله فى علبة وحمله صحبته من البلاد. ودخل به إلى حماة وطافوا به المدينة وكذلك به فى دمشق إلى أن وصل به إلى غزة ثم أحضرها إلى القاهرة، وكان يوم دخو - له يوما مشهودا، فطافوا به القاهرة ثم علقوه ذلك اليوم على باب القلعة ثم نقل وعلق على باب زويلة ثلاثة أيام، ثم رسم السلطان بأن يسلم الرأس إلى زوجة منطاش وهى بنت الأمير منكوتمر فأخذته ودفنته وذلك فى سادس عشرين من شهر رمضان من السنة المذكورة.
ثم قلعت الزينة وانقضى أمر منطاش كأنه لم يكن، وبطلت الفتن وسكنت الأمور، فسبحان القادر على كل شئ، وقد أفنى الظاهر برقوق عمره وهو فى غاية النكد والقهر من منطاش، إلى أن مسك وبلغ منه قصده، وكان منطاش من مشتروات الظاهر برقوق وقد تقدم ذلك ولما مسك منطاش قال بعض الشعراء.
كأن فجاج الأرض يمناك إن يسر … بها خائف تجمع عليه الأنامل
فأين يفر المرء منك بجرمه … إذا كان تطوى فى يديك المراحل