الحوليات، وتدل وفرة المعلومات التى دونوها على جهد عظيم فى البحث والمراجعة والنقل والتأليف.
والواقع فالبلاد المصرية استأثرت أكثر من غيرها فى عدد المؤرخين الحوليين والموسوعيين الذين ظهروا فيها وبخاصة فى العصر التركى المملوكى، ولكن بدخول الأتراك العثمانيين القاهرة فإن سلسلة هؤلاء المؤرخين تنقطع وعلى الأخص بموت أحد كبار مؤرخى هذا العصر وهو أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس الحنفى.
ومن المؤرخين المصريين الذين عاشوا فى العصر التركى المملوكى وسجلوا أحداثه ووقائعه بيبرس الدوادار فى "زبدة الفكرة" وابن دقماق فى "الجوهر الثمين" وابن أيبك الدوادار فى "الدرر الفاخرة" والمقريزى فى "السلوك" والسخاوى فى "التبر المسبوك" وأبو المحاسن فى "النجوم الزاهرة" والسيوطى فى "تاريخ الخلفاء" والعينى فى "عقد الجمان" وابن إياس فى بدائع الزهور فى وقائع الدهور.
وينفرد ابن إياس عن غيره من مؤرخى ذلك العصر فى أنه عاش عصرين وشهد أحداث جيلين: أواخر العصر التركى المملوكى ومستهل العصر التركى العثمانى، لذلك فإن لكتاباته أهمية خاصة، فهو يكاد يكون المؤرخ المصرى الوحيد الذى عاصر تلك الفترة الحاسمة فى تاريخ مصر، وكان شاهد عيان لما وقع فيها من أحداث وتمتد هذه الفترة التى أرخ وقائعها من سنة ٨٧٢ هـ/ ١٤٦٨ م إلى سنة ٩٢٨ هـ/ ١٥٢٢ م.
فضلا عن أن هذه الفترة تشكل حلقة مهمة فى سلسلة تاريخ مصر فى عصر المماليك، تلك السلسلة التى تتوالى حلقاتها فى كتاب "السلوك" للمقريزى و"التبر المسبوك" للسخاوى و"النجوم الزاهرة" لأبى المحاسن، وتنتهى ببدائع الزهور لابن إياس.
تذكر المصادر التى تناولت شخصية ابن إياس أن اسم المؤرخ هو: محمد بن أحمد بن إياس الحنفى وأنه ينحدر من أصل تركى مملوكى يرجع إلى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى، فأبوه أحمد كان متصلا بالأمراء ورجال الدولة وتوفى فى شعبان من سنة ٩٠٨ هـ وجده الأمير إياس الفخرى الظاهرى كان من مماليك الظاهر برقوق وعين بوظيفة دوادار ثان فى دولة الناصر فرج بن برقوق. أما مولد مؤرخنا ابن إياس وكما تشير إليه هذه المصادر، فكان فى السادس من ربيع الأخر سنة ٨٥٢ هـ/ ١٤٧٨ م ولم يؤثر عن ابن إياس أنه كان موظفا فى دولة المماليك أو تقاضى مرتبا من دواوين الحكومة أو وصل بجائزة نقدية أو عينية