ب - التَّطَوُّعُ بِالْحَجِّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِِْسْلاَمِ:
٣١ - قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ أَحْرَمَ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ - مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِِْسْلاَمِ - وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الإِِْسْلاَمِ، وَبِهَذَا قَال ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ لأَِنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ، فَوَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ كَالْمُطْلَقِ. وَلَوْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ وَعَلَيْهِ مَنْذُورَةٌ وَقَعَتْ عَنِ الْمَنْذُورَةِ، وَلأَِنَّهَا وَاجِبَةٌ فَهِيَ كَحَجَّةِ الإِِْسْلاَمِ. وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرْنَا لأَِنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَأَشْبَهَتِ الآْخَرَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِِلَى: أَنَّهُ إِِذَا نَوَى حَجَّةَ نَفْلٍ - وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الإِِْسْلاَمِ - وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ؛ لأَِنَّ وَقْتَ الْحَجِّ يُشْبِهُ وَقْتَ الصَّلاَةِ (ظَرْفٌ) وَوَقْتُ الصَّوْمِ (مِعْيَارٌ) فَأُعْطِيَ حُكْمَهُمَا، فَيَتَأَدَّى فَرْضُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَيَقَعُ عَنِ النَّفْل إِِذَا نَوَاهُ.
وَقَال ابْنُ نُجَيْمٍ: لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنِ الْفَرْضِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ أَجْزَأَهُ عَنِ الزَّكَاةِ اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاسُ: أَنْ لاَ يَجُوزَ؛ لأَِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنَ النِّيَّةِ. وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ دَلاَلَةً، وَعَلَى هَذَا إِِذَا وَهَبَ جَمِيعَ النِّصَابِ مِنَ الْفَقِيرِ، أَوْ نَوَى تَطَوُّعًا، وَلَوْ أَدَّى مِائَةً لاَ يَنْوِي الزَّكَاةَ، وَنَوَى تَطَوُّعًا، لاَ تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمِائَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْكُل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute