الاِخْتِلاَفُ الْجَائِزُ هَل هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْوِفَاقِ:
١٤ - يَرَى الشَّاطِبِيُّ أَنَّ مَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْخِلاَفِ فِي ظَاهِرِ الأَْمْرِ يَرْجِعُ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَى الْوِفَاقِ. فَإِنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل الْفِقْهِيَّةِ رَاجِعٌ إِمَّا إِلَى دَوَرَانِهَا بَيْنَ طَرَفَيْنِ وَاضِحَيْنِ يَتَعَارَضَانِ فِي أَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِمَّا إِلَى خَفَاءِ بَعْضِ الأَْدِلَّةِ، أَوْ إِلَى عَدَمِ الاِطِّلاَعِ عَلَى الدَّلِيل.
وَهَذَا الثَّانِي لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ خِلاَفًا، إِذْ لَوْ فَرَضْنَا اطِّلاَعَ الْمُجْتَهِدِ عَلَى مَا خَفِيَ عَلَيْهِ لَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، فَلِذَا يُنْقَضُ لأَِجْلِهِ قَضَاءُ الْقَاضِي.
أَمَّا الأَْوَّل فَإِنَّ تَرَدُّدَهُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ تَحَرٍّ لِقَصْدِ الشَّارِعِ الْمُبْهَمِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَاتِّبَاعٌ لِلدَّلِيل الْمُرْشِدِ إِلَى تَعَرُّفِ قَصْدِهِ. وَقَدْ تَوَافَقُوا فِي هَذَيْنِ الْقَصْدَيْنِ تَوَافُقًا لَوْ ظَهَرَ مَعَهُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلاَفُ مَا رَآهُ لَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَلَوَافَقَ صَاحِبَهُ. وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّخْطِئَةِ أَوْ بِالتَّصْوِيبِ، إِذْ لاَ يَصِحُّ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْمَل عَلَى قَوْل غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُصِيبًا أَيْضًا.
فَالإِْصَابَةُ عَلَى قَوْل الْمُصَوِّبَةِ إِضَافِيَّةٌ. فَرَجَعَ الْقَوْلاَنِ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ. فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مُتَّفِقُونَ لاَ مُخْتَلِفُونَ. وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ وَجْهُ التَّحَابِّ وَالتَّآلُفِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَسَائِل الاِجْتِهَادِ؛ لأَِنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى طَلَبِ قَصْدِ الشَّارِعِ، فَلَمْ يَصِيرُوا شِيَعًا، وَلاَ تَفَرَّقُوا فِرَقًا (١) .
هَذَا وَقَدْ سَلَكَ الشَّعْرَانِيُّ مَسْلَكًا آخَرَ فِي إِرْجَاعِ مَسَائِل الْخِلاَفِ إِلَى الْوِفَاقِ، بِأَنْ يُحْمَل كُل قَوْلٍ مِنْ أَقْوَال الْمُخْتَلِفِينَ عَلَى حَالٍ مِنْ أَحْوَال الْمُكَلَّفِينَ. فَمَنْ
(١) الموافقات٤ / ٢٢٠
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute