وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْتَأْمَنُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِهِ - وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلاَمُ غَيْرِهِمْ - لأَِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مُلْتَزِمٌ لأَِحْكَامِ الإِْسْلاَمِ. وَيَقُول الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَوْ أَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِكُل مَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ أَحَدٌ جَازَ، وَلاَ عِبْرَةَ بِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لأَِنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا؛ وَلأَِنَّهُ لاَ عِصْمَةَ لأَِنْفُسِهِمْ وَلاَ لأَِمْوَالِهِمْ، فَلأََنْ لاَ يَكُونَ لِحَقِّهِمُ الَّذِي فِي مَال مُوَرِّثِهِمْ عِصْمَةٌ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ مَعَهُ وَقَفَ الْجَوَازُ عَلَى إِجَازَتِهِمْ (١) .
الْقِصَاصُ:
٨ - إِذَا قَتَل الذِّمِّيُّ مُسْتَأْمَنًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَكَذَلِكَ إِذَا قَتَل الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اسْتَثْنَوْا حَالَةَ كَوْنِ الْقَاتِل ذِمِّيًّا وَالْمَقْتُول مُسْتَأْمَنًا، فَلاَ قِصَاصَ عِنْدَهُمْ، قَال صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: لأَِنَّ عِصْمَةَ الْمُسْتَأْمَنِ لَمْ تَثْبُتْ مُطْلَقًا، بَل مَوْقُوتَةٌ إِلَى غَايَةِ مُقَامِهِ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْل دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا دَخَل دَارَ الإِْسْلاَمِ لاَ بِقَصْدِ الإِْقَامَةِ بَل لِحَاجَةٍ يَقْضِيهَا ثُمَّ يَعُودُ إِلَى وَطَنِهِ. فَكَانَ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةُ الإِْبَاحَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَال: يُقْتَل بِهِ قِصَاصًا لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَقْتَ الْقَتْل.
وَلاَ يُقْتَل الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيِّ اتِّفَاقًا؛ لأَِنَّهُ لاَ عِصْمَةَ لَهُ أَصْلاً، وَلاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ، كَمَا فِي الْمُغْنِي. وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ الْمُسْتَأْمَنِ إِذَا قَتَل حَرْبِيًّا،
(١) الدر المحتار بحاشية الطحطاوي ٤ / ٣٣٦ ط بولاق؛ والبدائع ١ / ٣٣٥؛ وانظر العناية على الهداية ط بولاق ٨ / ٤٨٨
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute