اسْتِحْقَاقُ الْعَارِيَّةِ، وَتَلَفُ الْمُسْتَعَارِ الْمُسْتَحَقِّ، وَنُقْصَانُهُ:
٢٤ - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي رُجُوعِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ تَلَفِ الْمُسْتَعَارِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ نُقْصَانِهِ، وَفِيمَنْ يَكُونُ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُعِيرِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَقَدْ عَلَّل الْحَنَفِيَّةُ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ، وَلأَِنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَالْمُعِيرُ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ السَّلاَمَةَ، وَلاَ يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ (١) .
الثَّانِي: الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَالرُّجُوعُ عَلَى الْمُعِيرِ لِتَعَدِّيهِ بِالدَّفْعِ لِلْغَيْرِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَلِقَبْضِهِ مَال غَيْرِهِ - وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ - بِغَيْرِ إِذْنِهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ، فَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَعَارَهُ، لأَِنَّ التَّلَفَ أَوِ النَّقْصَ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَمْ يَغُرَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ فَمَنِ اعْتَبَرَ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةً قَال: لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لأَِنَّهُ كَانَ ضَامِنًا، وَمَنِ اعْتَبَرَ الْعَارِيَّةَ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ لَمْ يَجْعَل لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، لأَِنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الاِسْتِعْمَال.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ رَجَعَ عَلَى الْمُعِيرِ بِمَا غَرِمَ، لأَِنَّهُ غَرَّهُ وَغَرِمَهُ، مَا لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَعِيرُ عَالِمًا بِالْحَال فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، لأَِنَّهُ دَخَل عَلَى بَصِيرَةٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُعِيرَ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى
(١) البحر الرائق ٧ / ٣٢٤، والمدونة ٥ / ٣٦١ نشر دار صادر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute