الْحَنَفِيَّةِ: تَرَتُّبُ الضَّمَانِ عَلَى التَّرْكِ فِي مِثْل ذَلِكَ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، بَل إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُضَمِّنُونَ الصَّبِيَّ فِي تَرْكِ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ عَلَى صَيْدٍ مَجْرُوحٍ لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ، وَأَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، فَتَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا لِصَاحِبِهِ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ وَلأَِنَّ الشَّارِعَ جَعَل التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ، فَيَتَنَاوَل الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ (١) .
١٤ - هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَال، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَرْكِ إِنْقَاذِ نَفْسٍ مِنَ الْهَلاَكِ، فَالْمُتَتَبِّعُ لأَِقْوَال الْفُقَهَاءِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي حَالَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ بِعَمَلٍ ضَارٍ نَحْوَ شَخْصٍ آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى هَلاَكِهِ غَالِبًا، ثُمَّ يَتْرُكَ مَا يُمْكِنُ بِهِ إِنْقَاذُ هَذَا الشَّخْصِ فَيَهْلِكُ.
وَمِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَحْبِسَ غَيْرَهُ فِي مَكَانٍ، وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ، فَيَمُوتَ جُوعًا وَعَطَشًا لِزَمَنٍ يَمُوتُ فِيهِ غَالِبًا، وَكَانَ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ. فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَكُونُ فِيهِ الْقَوَدُ لِظُهُورِ قَصْدِ الإِْهْلاَكِ بِذَلِكَ.
(١) البدائع ٦ / ٢٠٠، وابن عابدين ٣ / ٣١٨، ٣١٩، وحاشية الدسوقي ٢ / ١١٠، ١١١، والحطاب ٣ / ٢٢٤، ٢٢٥، والخرشي ٣ / ٢٠، ٢١، ونهاية المحتاج ٥ / ٤٢٤ و ٦ / ١١٠، والمهذب ١ / ٤٣٦، ونيل المآرب ١ / ٤٧٦، والمغني ٥ / ٦٩٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute