وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
٤٣ - وَالْوَعْدُ كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ.
يَقُول الْقَرَافِيُّ: مِنْ أَدَبِ الْعَبْدِ مَعَ رَبِّهِ إِذَا وَعَدَ رَبَّهُ بِشَيْءٍ لاَ يُخْلِفُهُ إِيَّاهُ، لاَ سِيَّمَا إِذَا الْتَزَمَهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ، فَأَدَبُ الْعَبْدِ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحُسْنِ الْوَفَاءِ وَتَلَقِّي هَذِهِ الاِلْتِزَامَاتِ بِالْقَبُول.
لَكِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي الْبَدَائِعِ: الْوَعْدُ لاَ شَيْءَ فِيهِ وَلَيْسَ بِلاَزِمٍ، وَفِي مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ نَصًّا، وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ قَال: أُؤَدِّي الْمَال أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ، فَهُوَ وَعْدٌ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لأَِنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ مُشْعِرَةٍ بِالاِلْتِزَامِ. (١)
إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَسْتَدْعِي الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ ذَكَرَ الْبَيْعَ بِلاَ شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْعِدَةِ، جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إِذِ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لاَزِمَةً فَيُجْعَل لاَزِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَعْدَ يَلْزَمُ وَيُقْضَى بِهِ إِذَا دَخَل الْمَوْعُودُ بِسَبَبِ الْوَعْدِ فِي شَيْءٍ، قَال سَحْنُونٌ: الَّذِي يَلْزَمُ مِنَ الْوَعْدِ إِذَا قَال: اهْدِمْ دَارَكَ وَأَنَا أُسْلِفُكَ مَا تَبْنِي بِهِ، أَوِ اخْرُجْ إِلَى الْحَجِّ أَوِ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ وَأَنَا أُسْلِفُكَ، لأَِنَّكَ أَدْخَلْتَهُ بِوَعْدِكَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، بَل الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ.
(١) الفروق للقرافي ٣ / ٩٥، والبدائع ٧ / ٨٤، ٨٥، ومنتهى الإرادات ٣ / ٤٥٦، ونهاية المحتاج ٤ / ٤٤١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute