للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَابْنُ الْقَيِّمِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْحِلْيَةِ الذَّهَبِيَّةِ أَوِ الْفِضِّيَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مِنْ جِنْسِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ جَوَازَ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ بِسَبَائِكَ مِنْ جِنْسِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا، مِنْ أَجْل صِنَاعَةِ الضَّرْبِ.

وَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ بِأَنَّ السِّكَّةَ لاَ تَتَقَوَّمُ فِيهَا الصِّنَاعَةُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَضْرِبُهَا لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ الضَّارِبُ يَضْرِبُهَا بِأُجْرَةٍ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مِعْيَارًا لِلنَّاسِ لاَ يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَالسِّكَّةُ فِيهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِالزِّيَادَةِ فِي الْعُرْفِ، وَلَوْ قُوبِلَتْ بِالزِّيَادَةِ فَسَدَتِ الْمُعَامَلَةُ، وَانْتُقِضَتِ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لأَِجْلِهَا، وَاحْتَاجَتِ الدَّرَاهِمُ إِلَى التَّقْوِيمِ بِغَيْرِهَا، وَلِهَذَا قَامَ الدِّرْهَمُ مَقَامَ الدِّرْهَمِ مِنْ كُل وَجْهٍ، وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُل الدَّرَاهِمَ رَدَّ نَظِيرَهَا، وَلَيْسَتِ الْمَصُوغُ كَذَلِكَ (١) .

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ حَالَةً أَجَازُوهَا لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَا قَال النَّفْرَاوِيُّ: الْمُسَافِرُ تَكُونُ مَعَهُ الْعَيْنُ غَيْرَ مَسْكُوكَةٍ، وَلاَ تَرُوجُ مَعَهُ فِي الْمَحَل الَّذِي يُسَافِرُ إِلَيْهِ، فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى السَّكَّاكِ لِيَدْفَعَ لَهُ بَدَلَهَا مَسْكُوكًا - أَيْ جَاهِزًا - وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ أُجْرَةِ السِّكَّةِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ؛ لأَِنَّ الأُْجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ،


(١) إعلام الموقعين ٢ / ١٦٣.